أطل وكأنه لأول مرة يطل علينا، وجهه يكسوه الشحوب والأرقُ، لكأنه لم يذق طعم النوم قط.. ضوءه غائبٌ حتى النهاية،حتى أنني لم أستطع تمييزه من بين النجوم والكواكب حوله.
ترى لماذا الهلال اللطيف، الذي كنا ننتظره بكل لهف وشوق، يبتسم لنا بكل ود، أصبح يتوارى للوراء؟
أهو خَجِلٌ منا إلى هذه الدرجة؟ أم أنه مشائمٌ منا ومن وجوهنا التي كساها الشحوب وشوهتها الأمراض وأخذت منها كل لطيف؟
أم تراه يخاف منا العتابَ الذي سنوجهه له عند رؤيته؟
هل هو حزينٌ على أولئك الذين عاش معهم وأسعدهم وأسعدوه في السنة الماضية، والذين غادروا الحياة بشكل مفاجئ وحزين ومفجع؟
أيها الهلالُ اللطيف، يامن يغمرنا حباً وشوقاً إليه..نطلب منك العذر لنا ؛لأننا لسنا على ذلك الشوق الذي اعتدته منا، ولسنا على تلك اللهفة التي عرفتها منا.
لا تتحسس منا إذا وجدت وجوهاً متشائمة، وصدوراً متضايقة، وقلوباً مقفلة، وعقولاً شابها البلاء والشيب، وبطونا جائعة، تبحث عن كسرة خبز تعيش بها في هذا العالم المثخن بالجراح والأزمات والواقع البائس.
لا تحزن علينا إذا وجدت أناساً قد غادروا وبعضهم على وشك ذلك، وإذا لم تجد الابتسامة التي اعتدتها، احمل لنا عذر ذلك؛ فنحن مذ غبت عنا لم نضحك من قلوبنا لمرة واحدة؛ كمداً من الحياة ومتاعبها، جراء الوضع المتفاقم في أوطاننا المكلومة.
عذراً أيها الشهر الكريم ؛إذا لم تهنأ معنا.. وأنت مسامح إذا غادرتنا سخطاً ؛ لقد اعتدنا السخط من الجميع -من أولنا وآخرنا- ولكن المرجو منك، إذا قعدت معنا صابراً أن تلملم ولو بعض الجراح التي أنهكت الأجساد والأرواح.. أن تؤلف بين القلوب التي تناحرت وتتناحر بكل حين، وأن تجمع بين الحق وأصحابه.. فأنت شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
أعدْ لنا السكينة التي انتُزعت منا، وسقْ من غيث هدوئك قطراتٍ بسيطة ننعم بها ولو للأيام التي ستقضيها معنا.
أيُّها الحبيب إننا نحبك حباً جمّا؛ لكن الواقع فرض علينا أن نتململ منك كما تململنا من أقرب الناس إلى قلوبنا.. فعذرا منك رمضان، والعفو الكبير منك أيها الهلال اللطيف.