قيل لي إن الغربة هي الخروج عن الوطن إلى بلدٍ آخر، وقيل أيضاً إن الغربة هي الابتعاد عن الأهل إلى أناسٍ غير معروفين؛ لكني أشعر بالغربة وأنا في وطني، وأنا بين أهلي، حيث تتلمسني يد والدي وحرارة أمي، وحيث تلفني ضحكات الأصدقاء من حولي وهمومهم.
شعرت بالغربة وأشعر بها بكل حين.. في وقت دخولي وخروجي.. في زمن الأصيل وبعد الغروب، وعند الخلود إلى النوم.
لم تكن الغربة عندي حديثاً أسمعه من الآخرين الغرباء عن الوطن، أو قراءة في مقالاتهم بل إنني أعرفها قلباً وقالباً.
فلم تكن الغربة في نظري الابتعاد عن الأوطان، بل هي الابتعاد عن كل شيء جميل، وهذا ما وجدته بالضبط.
إنني بعيد تماماً عن الراحة والطمأنينة.. غريبٌ عن المال والعمل.. بل غريبٌ عن أهلي وأنا بينهم لم أجد ما يوصلني بقلوبهم، فقد حدثت فجوة كبيرة بيني وبينهم بسبب عدم قدرتي على تقديم مايرضيهم ويسعدهم، هكذا تبدو _للأسف_ شعور اليمني حاليا.
وهل هناك أشد غربة من هذا؟ حتى الزوجة التي تعد الأقرب إلى الوجدان من أي إنسان آخر بالنسبة لزوجها، أصبحت تتصنع الفراغ بيني وبينها.
أنا اليمني يا وجع اليماني.. الغربة أصبحت السمة الأولى التي يتسم بها اليمنيون، فقبل هذه الحرب اللعينة كان هناك جزء كبير من أبناء اليمن مغتربون خارج الوطن؛ وإن كانوا يعانون مرارة الغربة، إلا أنه يشار إليهم بالبنان على أنهم هم السعداء لأنهم يمتلكون المال من اغترابهم ويعودون سعداء إلى أهلهم.
أما الآن فلم يبق واحد من أبناء اليمن غير شاعرٍ بالغربة ومرارتها فقد استووا في الحظ منها وتقاسموها داخل الوطن وخارجه.
فالناس الأغنياء، قد زارهم الفقر المدقع، والذين كانوا يأوون في بيوتهم قد أصبحوا هم والذين لا يملكون المساكن سواء، وذلك بمغادرتهم منازلهم خوفاً من الاشتباكات وخوفاً من الاختطاف أو خوفاً من أمور كنا نعدها تافهة ساذجة.
تلك هي الحياة، وهذا هو الحظ منها.. وتلك هي السعادة وهذا هو النصيب لنا منها.
اللهم أرحنا هم الغربة الداخلية والخارجية وأسعد المغتربين داخل الوطن وخارجة وألهمنا لذلك الصبر والسلوان.