الخدمات الصحية في عموم محافظات الجمهورية في وضع يؤسف عليه وفي تدهور مستمر لا يـُعرَف له قرار.. ولعل من أسعده الحظ بالحصول على فرصة علاج خارج الجمهورية يحسّ من اللحظات الأولى لخضوعه للفحوصات والعلاجات بالفارق الشاسع بين هنا وهناك !!
فبعد أن يكون قد جمع أكواما من الورق والملفات للفحوصات الكثيرة والباهظة الثمن والتي – غالباً – لا تمس لحالته المرضية بصلة، اللهم لحصول هذا الدكتور أو ذاك على نسبته عن كل مريض يرسله إليهم، زيادة في الحصول رزق مضاعف أحتال به على المريض المغلوب على أمره لإرساله للفحص والتعرض لإشعاعات الأجهزة في هذا المختبر أو ذاك المركز الطبي المتطور للفحوصات الوهمية .!!
الخارج - غالبية الأطباء والمستشفيات – يقوم بانتزاع أكذوبة هذه الملفات الطبية التي تحملها قادماً بها إليهم ليرميها جانباً وقد ملأه الغيظ من ألعوبة الطب في اليمن ليبدأ بعمل فحوصات جديدة تكتشف من خلالها أن كل ما كنت تحمله معك من أوراق ما هي إلاّ تعرية واضحة لكذب الأطباء وخداعهم، بل هي عبارة عن فواتير مدخولات غير شرعية يبتزونها من المرضى لفحوصات وعلاجات وهمية غالباً ما تبتعد كل البعد عن حالتهم المرضية التي غادروا الوطن في سبيل النجاة منها ..
ومع ذلك نظل نتمسك بالأوهام، ونقنع أنفسنا بأنه لعل وعسى أن نجد بعض المسكنات المؤقتة لأوجاعنا وحالتنا المرضية التي يعجز – دائماً – أطبائنا الأفاضل عن كشفها رغم أكوام الفحوصات التي يتحفوننا بها ..
وكيف لنا أن لا نهرول إلى أقرب مستشفى أو عيادة لإسعاف مريضنا المسجى بين أيدينا بدلاً من التحسر عليه حتى يقضي نحبه أمام ناظرينا هكذا، مع أن مجاميع كبيرة من الناس تجده يبادر – وبدون أي مقدمات – لإعطائك وصفة من الطب الشعبي ويشرع في الحديث عنها بإسهاب وعن فوائدها ونتائجها المضمونة ويدلل على ذلك بنجاح استخدامها وخلال فترة سحرية له أو لأحد أولاده أو مقربيه !!
تصوروا.. كيف أنحاز كثير من الناس إلى هذا النوع من العلاجات – والذي لا أشكك فيه مطلقاً – ولكن أتحفظ عل إباحته بهذه الطريقة العفوية حين يتحول كل منا إلى طبيب مختص وقد تراكمت لديه بعض التجارب التي وجد من خلالها فرصة لتطبيقها على هذا المريض الملقى أمامنا الآن !!
رغم هذا وذاك يظل المستشفى أو المركز الطبي والعيادة، فهم ملاذنا الآمن والوحيد الذي نرحل إليه ونسابق لنقل مصابينا وأهلينا إليه.. ومع التصاعد المذهل لنسبة الارتفاع الجنوني لسكان محافظة عدن كان يتوجب مضاعفة عدد تلك المراكز الطبية العمومية التابعة لوزارة الصحة.. واستبشرنا خيراً بمستشفى عدن العام المقدم كهدية طيبة من إخواننا السعوديين، حيث كان أنموذجاً جيداً لخدمات سلسة وإنسانية تميزت عن مثيلاتها لدى المستشفيات والعيادات الحكومية ..
وفجأة يتم إغلاقه للترميم.. وطالت فترة الإغلاق هذه حتى انقطع الأمل فينا لعودة مزاولة نشاطه الإنساني الكبير.. وأصبح كل منا يمر بجانبه يتنهد أسفاً عليه، وكأنه قد قضى نحبه لا بمشيئة القادر ولكن تحس وكأنه قرار متعمد ومدروس، والغرض واضح طبعاً ..
ولا أظن أن وزارة الصحة وقيادة محافظة عدن لا تعرف من وراء (دفع فاتورة تحنيط مستشفى عدن العام) وهو في ريعان وعنفوان شبابه.. ولنحسن الظن بهم أيضاً، ونوجه دعوة إنسانية ومطلب مـُلـِحّ من كل أبناء هذه المحافظة الطيبة بالتأني قليلاً قبل وضع اللمسات الأخيرة لهذا التحنيط.. مناشديكم بأن الروح لا زالت في هذا الجسد المسدي أمامكم، وإمكانية إخراجه من غرفة الموت الاكلنيكي لمزاولة نشاطه من جديد خدمة لعامة الناس والشريحة العظمى من المعدمين وذوي الدخل المتدني المحدود والذين يصارعون مختلف أشكال الحالات المرضية والتي ربما يمكن إنقاذهم منها في هذا المستشفى المغلق أما أعينهم التي ماانفكت تقطر دمعاً ودماً على وضعه هذا.. والله من وراء القصد !!