تجلّت زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية/ عبدالملك المخلافي لماليزيا وعبّرت عن رؤى وآمال كبيرة يخالطها بعض الهموم، رأيت من خلالها دولة اليمن الاتحادية تمشي بثبات على الأرض، تتفقد هموم وأحوال أبناء اليمن في ماليزيا، أحسست بدفئها، رأيت الوطن كله في إخلاص الوزير وتفاعُل السفير الدكتور/ عادل باحميد، رأيت نجومها من خلف التلال، شممت عبيرها موجٌ ينعش الروح الوطنية ويحاكي الذاكرة الذهنية لكل محب عاشق ومفتون بالوطن.

كانت هذه الزيارة مثالاً بارزاً للدبلوماسية الوطنية الصادقة التي تكللت بالنجاح ونالت القبول والرضى من السلطات الماليزية التي تفهمت هموم الجالية وقضايا الوطن اليمني الذي يمر بظروف استثنائية، كل ذلك بفضل العبقرية الثنائية لمعالي الوزير وسعادة السفير، حيث كانت روح الوطن حاضرة وبقوة في محادثاتهم مع الحكومة الماليزي، في حل قضايا الجالية اليمنية ذات الهموم المختلفة والتي تأكدت من خلال الموقف الوطني الموحد الواضح والصافي من كل الشوائب، في الوقت الذي لا يزال فيه جزء من الوطن رهناً بيد القوى الانقلابية المتخلفة التي اعتقدت خطأً بأن اليمن حصرياً ملكاً لها.

ميادين السياسة لا يجيدها إلا من عصرتهم الأحداث وخبرتهم الظروف الوطنية وفُتِشوا عن تجربة وهم يحاولون الارتقاء بالوطن وشعبه والدبلوماسية هي اليد التي يصافح بها الوطن العالم الخارجي والأنامل التي بها يصان حق المواطن اليمني في بلاد المهجر وهذا ما كان غائباً عن اليمن خلال العقود الماضية التي شابها الكثير من المحسوبية والفساد.

 إرثٌ من الفساد المتضخم خلّفه النظام السابق ودمار وخراب أحدثته بالوطن الظلامية بعد انقلابها على كل الثوابت الوطنية والذي كان نتاجها الحرب التي تعتبر التجلي الأبرز للانقلاب على فكرة الدولة كما ذكر معالي الوزير مردفاً أن الميليشيا كانت ولا تزال خارج الحد الأدنى من ممارسة مهام الدولة.

كان معالي الوزير دولةً أمام حل كل القضايا الوطنية وهموم الجالية بدون تمييز على أي أساس، بالرغم من أنها حكومة تشكلت في ظروف استثنائية لا تملك ولا تضع يدها على أي مورد من مواردها الاقتصادية وفي ظل غياب البنك المركزي ونظمه الاقتصادية والفنية بعد أن أفرغه طرفي الانقلاب من 5 مليارات دولار الاحتياطي النقدي لليمن إضافة إلى مليار دولار الوديعة الاستثمارية الدولية إضافة إلى ترليون و3 مليارات ريال يمني كعملةٍ نقدية سائلة كلها ذهبت إلى أرصدة شخصية نافذة، ومجهود حربي لقتل الشعب اليمني وانتهاك كل حقوقه وحرماته.

ومن خلال كلمته العميقة التي ألهبت بصدقها مشاعر كل القيادات الطلابية، لأنها كانت من قلب يحترق ناراً على الدماء التي تراق ظلماً على كل شبرٍ من أراضي الوطن، أكد معالي الوزير على أن الشعب اليمني ولد حراً كريماً منذ الأزل ولا يمكن أن يكون يوماً ملكاً لأحد تحت أي شعارٍ سلالي طائفي أو مذهبي، ولكل مواطن في اليمن الحق في الانتماء السياسي لأي حزب أو جهة بشرط استمرارية النظام الجمهوري الديمقراطي العادل، وتثبيت النظام الاتحادي الذي تعمدت مسيرته بالعَرَق والدم ومن يعتقد بأن الشعب اليمني سيُهزَم وفقاً لمنهجية حكم الإمامة التي كانت تقوم على فكرة الإمام المتغلب وهزيمة الشعب فهوا واهم. أحسسنا بهمٍ ومرارة في كلام الوزير المخلافي وكان لسان حاله قول الشاعر البردوني:

وما تزال بحلقي ألف مبكيةٍ***من رهبة البوح تستحي وتضطرب

وفي ختام كلمته في قلب السفارة أحسست كمواطن يمني شريد الديار، بأن التضحيات التي يقدمها الأبطال في ميادين الحرب والسياسة محقّة ومستحقة، فالوطن قطعة من القلب بل هو القلب كله، ولا ينكر ذلك إلا مشطور القومية والدين والروح والهوية والهوى، وطن ترعرعنا على أرضه وتحت سمائه، عشقنا أحببنا كرهنا أصابتنا الهموم وانتشينا فيه على كل تلٍ ومنحنى، لا يستحق منا إلا كل الحب والتضحية والفدى ولا يحتاج أبداً منا إلى ميثاق مخادع أو قسم منكوث، الوطن ليس منصب سياسي أو قطعة أرض أو داراً تقسمه حوائط مطلية الألوان، بل سماء بعيدة لآفاق، وأرضٌ يملئها عبق التاريخ، وروحٌ تملأ الجسد وجسدٌ تجري فيه الدما وهنا تذكرت تغني الشاعر المقالح بالوطن في غربته قائلاً..

وطن النهـار ومعبـد الزمـن = أنـا عائـــد لأراك يـا وطنـي

أنا أنت في حزني وفي فرحي = أنا أنت في صحوي وفي وسني 

حاولت أن أنسـاك فانطفـأت = طرق الهوى في سائر المـدن