بعد سلاسل متلاحقة من الأحزان والمصائب.. وبعد عقودٍ الظلم والعذاب والقسوة والنسيان وأيام تحمل طابع البلاء (ولا شيء غير البلاء).
تدور الأيام دورتها وتمنحُ الأقدار(يوسف عليه السلام )جزيلَ المكافأة وتُقرِأه عباراتِ الامتنان والشكر وتستجدي منه العفو والصفح !..
وفي نهاية المطاف رفعه سجانوه فوق عرش الملك وسجد أخوته على فراش الاعتراف بالجناية والخطأ بين يديه .تلك العصبة التي تآمرت عليه فيما مضى ورمت به في البئر وقذفت بذلك الصبي في أتون الاغتراب وقعر الألم والاهانة لنفسه الكريمة المعجونة بماء النبوة واختيارات الاصطفاء.
هاهم إخوته يعترفون له بالفضل (لقد آثرك الله علينا) وسجانوه يتوسلون إليه تزويدهم بالحل للجائحة الاقتصادية التي ستخنق أيامهم ومستقبل أجيالهم القادمة..
ذلك هو القانون الخالد الذي تعلمنا إياه حركة التاريخ وتصاريف الأقدار: ( إن العاقبة للمتقين) وإن الخير هو الغالب في نهاية المطاف وأن الأذى وإن تعاظم أوهن من أن يُفرِّغ نفساً عظيمة، من إيمانها بذاتها ونبل أهدافها وسمو تحركاتها.. ويعلمنا كذلك. أن الأنفس الصابرة صخرةٌ تتكسر على عرضها كل ألوان التفنن في البلاء والعذاب..
ذلك القانون والسنة الإلهية هو ما يجعلنا على يقينٍ بأن مختطفينا سيشربون العَذب بعد العذاب والمنحة بعد المحنة وأنهم سيجلسون ذات يومٍ ليس ببعيد على عروش القلوب التي امتلكوها بتضحياتهم الصابرة وثباتهم في وجه كل ما يقود إلى الضعف والانحناء والتخلي عن الطريق.
تلك سنن الجليل التي نظم الكون على إيقاعاتها.. وتلك لعمري هي التضحية التي لن تجعل للمستقبل الجميل الآتي أي عذرٍ في التباطؤ أو التأخر عن القدوم.
ولئن كان بعض مختطفينا وراء قضبان المعاناة والنسيان في سجون الانقلاب ويسكن جوار معتقلاتهم ملايين البشر في محافظة صنعاء أو الحديدة أو إب وغيرها من المدن التي ترزح تحت حكم الميليشيات.
هذه الملايين التي استغرقت في تدبير أمور معاشها وبالغت في خوفها من سوط السجان فأقفلت أسماعها عن أنين المختطفين وتغاضت عن مظلمتهم وآثرت وهم السلامة فاختفى أو تضاءل دورها في التضامن أو السعي لرفع هذا البلاء عنهم وفك قيودهم من سجون الانقلاب.
فإن هذه الجموع ستنشد بشفاه الندم غداً (حاشا لله ما علمنا عليهم من سوء).
ويقيناً ستدرك تلك الجموع المتخاذلة ذات يوم أن تضحيات هؤلاء المنسيين المخذولين هي من ستحقق أحلامهم التي يقصُّونها على أولادهم في أحاديث المساء..
حُلم اليمن الذي يتسع لكل أبنائه. حلم الحياة المستقرة والآمنة لأبنائنا وبناتنا والتي لا تشبه حياتنا الماضية التي ملأها سلوك اللصوص بالقلق والشقاء وأفرغوها من مفردات النعيم والعيش الكريم.
حُلم اليمن الذي تتحقق على أرضه وتحت سمائه كل الأحلام.
ويلفظ هوائه كل روائح الاستبداد والاستعباد .
(إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).