إذا تذكرنا - نحن الجنوبيوي - ماضينا القريب، منذ انتصار ثورة 14 أكتوبر وما بعدها فقط، سنجد الكثير من العبر والعظات لمن يتعظ.. فقد مارسنا على بعضنا ثقافة الإقصاء بعقلية ثأرية وظللنا ندور في حلقة مفرقة نتآكل فيها حتى رمتنا الأقدار بين يدي عفاش وصار ما صار...
دفعنا ثمناً باهظاً لنزواتنا وصراعاتنا العبثية التي لولاها لكنا اليوم في مصاف الدول الغنية بثرواتها وموقعها الجغرافي الحساس ومواردها الكثيرة.
واليوم مازالت العقلية هي هي عقلية الإقصاء والإلغاء والارتهان للخارج، والاستجابة للفكر الثأري والمغالبة.. وكلها طرق سهلة للصراع الذي لا ينتهي.
حالنا اليوم !!
السائد اليوم في الجنوب حرب إعلامية شعواء بالوكالة ضد الإصلاحيين الجنوبيين ومحاولة شيطنتهم، وكيل التهم الخالية من الحصافة ضدهم.. وبالمقابل فالإصلاحيون يمارسون ردود أفعال مؤلمة لخصومهم باتهامهم بالارتهان لأجندات خارجية ضد وطنهم تصورهم مجرد عملاء ووكلاء يفتقدون لذرة وطنية وأخلاق ويبيعون الوطن لمن يدفع أكثر .
(ناهيك عن صراع الأضداد داخل مكونات الحراك الذي ينذر بكارثة)
هذا السجال المجنون يضر بكل الأطراف شاءوا أم أبوا.. لأنه ببساطة خارج سياق العقل والمنطق.
كيف نوقف هذا الجنون؟
نحن ندعي أننا أصحاب ثقافة ووعي عاليين، فلكي نثبت دعوانا علينا أن نكون على مستوى هذا الفهم، وأن نقر أولاً بأننا كلنا جنوبيون ولا يستطيع أحد أن يخرج الآخر من وطنه.. وكل ما تستطيع فعله ثقافة الشحن المناطقي والكراهية هو استمرار الصراع ودورات العنف لا أكثر
إن الفجور في الخصومة والتعبئة النفسية ضد الآخر، لا تعدو عن كونها صب الزيت على النار التي لن يسلم منها أحد.. فلماذا لا نحكم العقل ونفسح المجالً لرأب الصدع ونبسط المصالحة الوطنية ونترك الشطط والرعونة ؟!
لكي نخرج من هذا النفق يجب أن يكون اختلافنا خارجيا وليس داخليا لأنه بالتالي سيتحول لحقد وكره لا نستطيع بعد ذلك أن ننزعه من قلوبنا وبذلك سنفشل في بناء دولتنا مهما كانت الوطنية كبيرة في نفوسنا..
لأننا حين نجرد بعضنا من الوطنية إنما نؤسس لصراع عبثي.
دعونا نطبق في تعاملنا مع بعضنا القاعدة الذهبية للشيخ حسن البناء (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)... ونبتعد عن عقيلة الانتصار على الآخر والانتقام منه، ونعي جيداً أنها لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
الحرب الإعلامية القذرة والتي تحوي بث الشائعات والتدليس والكذب وغيرها ستزيد الطين بلة ولن تعود بالنفع على أحد وليست وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية مشروعة، ولكنها باب للنزاع والفشل ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
لا أحد يستطيع طرد الآخر من وطنه؟!
لذلك لابد من ترسيخ فكرة التعايش مستقبلاً.. وذلك لا يكون إلا بمحاولة التوافق وأخذ الدروس والعبر من الماضي القريب.. والتسامي فوق الجراح كوسيلة لتقارب القلوب مستقبلاً ..
الخلافات وارده.. والطموح السياسي حق مشروع.. ولكن لا يكون ذلك على حساب من سيأتون بعدنا، بل يجب أن نؤسس لثقافة التداول السلمي للسلطة، والخضوع لنتائج الصندوق، وهي الطريق الآمن لبناء مداميك الثقة التي دمرتها ثقافة الكراهية وأن نسعى جميعاً لبناء مجتمع قوي متماسك يشد بعضه بعضاً، يقودنا إلى مستقيل مشرق لأولادنا تسوده المحبة والألفة والتعاون، ونشر العلم والمعرفة التي بها تسود الشعوب.
فإما أن نورث أجيالنا القادمة ثقافة التصالح والتسامح والقبول بالآخر رغم الخلافات .
وإما أن نورثهم مزيداً من الخلافات والحقد وعدم القبول بالآخر وبالتالي مزيداً من الصراعات..
الجنوب يتسع لأبنائه..ولكن حين يكونوا عقلاء.
مرفأ قلم:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها .. ولكن أحلام الرجال تضيق.