كانت تعز تنتظره في الطرف الآخر، ليشاهد آثار الإجرام والحصار، فقصفتها الميليشيات بحضوره.
أرادها المسؤول الدولي الكبير أن تكون الزيارة الأولى لتعز، فقررت ميليشيات الإرهاب أن تكون الأخيرة.
ما هو مؤكد أن وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين، رُد على أعقابه ومنعته ميليشيات الحوثي صالح من زيارة المحافظة المحاصرة.
لطالما صرخت تعز واستغاثت طيلة فترات الحرب، بحثاً عن بقايا ضمير في هذا العالم.
أطلقت النداءات تلو الأخرى لمسؤولي المنظمات الدولية والأمم المتحدة بمن فيهم المبعوث الأممي.
حتى المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، ناشدتها المدينة المحاصرة، للقدوم إلى تعز لتضع يدها على الجرح المفتوح منذ قرابة العامين.
حين وصل أوبراين أطلقت ميليشيات الحوثي صالح الإرهابية النار في وجهه.
كان ذلك كافياً لأن يقرر الرجل العودة، فقد انتهت الرحلة وكانت تلك آخر حدود الزيارة غير المرغوبة.
من الواضح أن زعماء العصابة لم يستطيعوا هذه المرة منع رغبة مسؤول أممي كبير من زيارة المدينة المحاصرة، بصورة مباشرة.
لاشك، أنهم أعلنوا موافقتهم، وطمأنوا المسؤول الدولي، لكنهم غدروا به في الطريق!
فعلوها كعادتهم في السلام والحرب.
على تخوم المدينة، عند البوابة الشمالية الغربية حيث كان يجب أن يمر من هناك المسؤول الدولي، شنت الميليشيات قصف وافتعلت معركة من جانب واحد مستهدفة الطرف الآخر.
كان مسؤولو المدينة ممثلو السلطة الشرعية ينتظرون أوبراين ورفاقه، فأستقبلوا القصف وقذائف سقطت بالقرب منهم.
أرادت الميليشيات، افتعال سبب، يعطل الزيارة برمتها، وكانت تبحث عن رد حربي من الطرف الآخر لصناعة توتر ميداني يحول دون الزيارة.
فعلت كل ماتريد، لكنها لم تحصل على الجزء الثاني من القصة، حين واصلت أسلحة الجيش الوطني صمتها الطويل تحضيراً لزيارة المسؤول الأممي.
لم يحدث شيء غير متوقع، فلطالما انتهت رحلة قوافل المساعدات طيلة أيام الحرب، عند حواجز الميليشيات وصيّرتها فيداً وجهداً حربيا ممول دولياً!
هي تكرار لصور غطرسة أخرى بسيطة طالما وقعت عند حواجز الميليشيات. اسألوا المنظمات الدولية كيف كانت تحصل على إذن مسبق بإرسال المساعدات، ثم يأتي المنع لاحقاً معظم الوقت.
ما من سبب يجعلها تفعل كل ذلك غير الإمعان في الإجرام والإرهاب، وممارسة هواية السطو على المساعدات.
في جانب من القصة كانت الوقائع تؤكد استحفاف الميليشيات بالمجتمع الدولي، وتستغل مساحة تواطؤ تلبست معظم الأنشطة الدولية.
كان الأمر انعكاسا شاملا لسياسة قوى كبرى، أرادت منح ذراع إيران، نفوذا ضمن تسوية طائفية، تسمح لها بوجود كبير ومؤثر في مستقبل البلد.
وصل الأمر حد تقديم خارطة طريق لشرعنة انقلاب الميلشيات!
كان ذلك امتدادا لُلعبة مساومات ومقايضات إقليمية ودولية مختلفة، طالت ملفات كثيرة مشتعلة في المنطقة.
في أوقات كثيرة كانت منظمات الأمم المتحدة وتحركات المبعوث الدولي، صدى سيئا لروائح تلك الصفقات، ومازال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في صنعاء، يلعب في ذات الدائرة!
ماذا لو أن الميليشيات ذهبت بعيدا في لٌعبة " الغماية " الدولية، وتصرفت بلؤم وخسة أكبر، وقصفت موكب أوبراين نفسه، كما كانت تفعل مع وسطاء محليين ترسلهم إلى خصومها، فتقصفهم في الطريق أو جميعاً مع الغرماء؟
ضمن تغير محدود في مواقف قوى كبرى حيال الملف اليمني هناك تغير طفيف في أداء الأمم المتحدة موازي حيال الجانب الإنساني.
غير الزيارات لمسئولين في المنظمات الإنسانية لبعض المحافظات الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية، كان أوبراين نفسه قد غيّر نبرته في هذا الشأن .
حمل ميليشيات الحوثي صالح، في وقت سابق، مسؤولية الاستيلاء على المساعدات الدولية ومنع وصول بعض الإمدادات الطبية إلى مناطق يمنية مختلفة.. لذلك كانت زيارته المقررة لتعز غير مرغوبة من قبل الميليشيات، ويجب منعها بأي صورة، لأنها الخاسر الوحيد من تحقيق هدف الزيارة.
كان الرجل سيرى عن كثب آثار الجرائم الوحشية بحق المدنيين، وكيف أطبقت عصابات الإجرام على المدينة، وسدت أهم شرايين إمدادها بحاجتها من الغذاء والدواء، والسلع الرئيسية.
ستمكنه الزيارة من مشاهدة أخبار جرائم الميليشيا وحقدها الدفين على الواقع، فهي منحوتة في كل حي ومشفى وشارع، وسيرى كيف أوصلت الجوع إلى معظم السكان بعد تشريدهم من المنازل، وتدمير مصادر رزقهم.
كانت تعز ستحصل على شاهد عيان دولي حيال مأساتها .
نسفت أسلحة الميليشيات مهمة المسؤول الدولي، لكنها قدمت دليلاً لا يحتمل التأويل عن ميليشيا بربرية .
أخفقت الميليشيات وحصلت تعز عملياً على شاهد عيان، بحجم وكيل الأمم المتحدة.
شاهد الرجل مذعوراً عن كثب أيادي القتلة وهي تضغط على الزناد، والأهم انه لمس في تجربة شخصية، كيف يصعب ترويض عصابات إرهابية لتغدو طرفاً سياسياً مسؤولاً له علاقة بالحياة وبناء الدول.
قبل ذلك شاهد بنفسه وقائع "إبادة" تعز، الرغبة الوحشية التي أطلقها مدير مكتب عبد الملك الحوثي، في حضرة ولد الشيخ بينما كانت الأمم المتحدة والحكومة الشرعية تبحث مع ممثلي الميليشيات، عن باب للسلام في جنيف ؟
يحتاج أوبراين، إلى ضميره، متخلياً عن بروتوكولات شكلية لمسؤول أممي، لكي يحكي للعالم لماذا أطلقت ميليشيات الحوثي صالح النار على مهمته.
لو أن العالم يبحث عن الحقيقة فسيتخلى عن عماه المصطنع حيال إرهاب ممنهج لهذه العصابات.
ما الذي يحتاجه العالم أكثر ليحسم أمره وهو يرى منظمة جريمة، تختطف الأطفال لتزج بهم في المعارك، وتزرع مئات الآلاف من الألغام لتصنع شبكة الموت في المستقبل، تفجر المنازل ودور العبادة، تمارس الحصار والتجويع، تستولي على مرتبات الموظفين، وتعذب المختطفين حتى الموت ؟
تلك فظاعات يومية يواجهها اليمنيون على يد عصابة الحوثي صالح، معها تبدو واقعة إطلاق نار في وجه المسؤول الاممي ليست أكثر من مزحة.
مع ذلك، فتعز التي تبحث عن التضامن الدولي والمواساة، وجدت نفسها اليوم تعلن تضامنها مع الأمم المتحدة ووكيلها أوبراين!