في ظل عتمةٍ حالكةٍ تعصفُ بالبلد، نتيجة لحربٍ مسعورةٍ فرضتها القوى الظلامية علينا، خرج الضوءُ اليمانيُ عمار العزكي ليشارك في برنامج «أرب آيدول»، وفي يده مشعلٌ من حبٍ يود أن يوزعه على اليمانيين المنكسرين، غير أن الكثير من أبناء جلدته، من الوهلة الأولى لظهوره في البرنامج، انهالوا عليه بالشتائم والسخرية حتى وصل الحال ببعضهم حد وصفه بالمرتد، ومع ذلك استمر حابساً أوجاعه في صدره دون الالتفات إليها، بل سار بخطى ثابتة نحو اللقب لامعاً كسيف يماني أصيل خرج من غمده، وكنا نشعر بما يختلج في أعماقه من خلال نبرة الحزن التي تقطر من صوته وهو يقف مرتدياً ابتسامته العريضة التي يحاول أن يخفي بها حزنه.
سعد جزء من الشعب اليمني بهذا الصوت المختلف وبدأت الفرحة تدب في أعماقه الموغلة بالحزن، كان يمني النفس الكسيرة بانتصار يرمم ما أفسدته الأحداث الدائرة، فيما بقي الجزء الآخر الذي اعتاد على تثبيط الهمم يرمي التهم جزافاً بهدف البقاء في مربع الحزن الذي جُبل عليه، قائلاً:«إن الوقوف مع عمار دعوة إلى السفور والانحلال والخطيئة».. فيما قال بعضهم:«إن النتيجة محسومة لصالح عمار من بداية البرنامج وإنما إدارة القناة تبتز اليمنيين لزيادة إيراداتها».. أما المحسوبون على الطبقة المثقفة فقد قالوا عن العزكي عمار، الذي يحاول أن يرسم ابتسامة على شفاه وطنٍ ينسحقُ بين رحى الحرب والظلاميين:« إنه مجرد صوتٍ عادي لا يستحق الدعم والمؤازرة»..
بحت أصواتنا ونحن نطالب أصحاب الأفكار الملغومة بالاعتكاف في صفحاتهم، أو تقديم مرشح يمثل مجاميعهم في أي مسابقة دولية حتى للأثواب الناصعة أو للصراخ والشتائم، أو حتى للأكراش المنتفخة والذقون المستترة، وسنشجعهم بكل حماسة، ونصفق حتى ندمي أكفنا، المهم أن يأتوا لنا بانتصارٍ يفرحُ هذا الشعب الذي كتمت أنفاسه عقولهم الموبوءة بالجهل والتخلف، كما طالبنا الآخرين بتقديم أي شيء لليمن كي نتقبل نقدهم وأستذتهم التي لا تأتي إلا لإجهاض أفراحنا.. قلنا لهم: شاركوا بمنتخبٍ لكرة القدم أو لكرة السلة أو أي لعبة أخرى فردية أو جماعية، أو في أي مسابقة أدبية أو فنية، أو حتى في معرضٍ دولي لصناعة الطائرات بدون طيار وسنقف معكم حتى تنالوا اللقب، لكننا نعلم أنكم عاجزون ولا تجيدون سوى المهاترات وتحطيم معنويات الآخرين.
لقد توحد الفلسطينيون رغم اختلافهم، فيما انجرفنا إلى مستنقع التخوين وتسفيه الآخر، فكانت الدموع والحسرة مآلاً حتمياً لأحلامنا، ليس في موضوع عمار الذي بكى فأبكى الملايين، بكى حين شعر بتخلينا عنه وإنصرافنا إلى المماحكات البينية وتبادل التهم.. حين رأى توحد الفلسطينيين وانقسامنا.. حين رأى تلك الجماهير العريضة التي تؤازر زميليه في الساحات فيما لم يجد منا أحدا، ليس في موضوعه وحسب وإنما في عديد من القضايا ليس آخرها الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، فمتى نتعظ من أخطائنا لنزرع الحب في أعماقنا بديلاً للكراهية والبغضاء..؟
متى نعي أن الدموع التي سالت في آخر حلقات «أرب آيدول» لم تكن من أجل عمار وإنما من أجل الأبرياء الذين يقتلون كل يومٍ، من أجل ملايين المقهورين والموجوعين، من أجل اليمن التي نحبها..؟!