لا تعني خدمة الإنسان لأهله والانتماء لهم أو للمنطقة التي يعش فيها، سواءً كانت قبيلة أو حزباً أو مذهباً أنه عمل طائفي، بل الطائفي المعنِي هنا هو الذي ينتمي إلى طائفة معينة حد التعصب والغلو ويرفض الطوائف الأخرى، وينكر حقها في الحياة الكريمة على أسس إنسانية ودينية عادلة، ويمنح طائفته كل الحقوق التي لا تعطى لغيرها، كبراً وعلواً على باقي مكونات المجتمع وطوائفه الأخرى.
وعليه وردت تعريفات كثيرة لمعنى الطائفية أهمها ما أورده الباحث، فيصل دراج حيث قال بأن الطائفية: "مفهوم اجتماعي تاريخي ثقافي يسمح لمعتنقي هذا المفهوم بتمييز أنفسهم على بقية الطوائف الأخرى"، وإذا ما ساد مفهوم كهذا في مجتمع إلا وأسهم في تخلفه وتراجعه التاريخي المستمر، لأن المجتمعات الديمقراطية الحديثة تجاوزت تلك المفاهيم وذابت في مكونات حزبية ونقابية ومنظمات حقوقية حديثة ليس فيها للتمييز على أي أساس وجود أو مكان.
ومن مخاطر الطائفة المتمثلة بالقبيلة والمذهبية في اليمن أنها تميل دائماً إلى التقوقع والانغلاق على ذاتها، والتعصب لأعضائها وفرض سيادتها وفقاً لمفاهيم واهية بل ومتخلفة ابتدعتها لنفسها كمفهوم القبيلة الأكبر والأقوى والأقدر على التعصب والحشد الطائفي للغلبة والانقضاض وكذلك المذاهب صاحب الدعاوى بالأحقية الإلهية في الحكم والتسلط على رقاب العباد.
الأمر الذي زاد المشكلة تعقيداً في اليمن هو تحول القائمين على نظام الحكم إلى طائفة متحكمة سواءً كانت مذهباً أم قبيلة واحتكار السلطة لفترة زمنية وتغولها بين الطوائف المتصارعة أصلاً على الحكم والسيطرة والنفوذ، ومن الملامح التي ميزتها على بقية الطوائف هو استحواذها على مقدرات الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية التي استقوت بها على الآخرين.
ومن خلال قراءة التاريخ تظل الطوائف الأخرى دائماً مترقبة ومتربصة بضعف وترهل النظام القائم على تلك الأسس، واقتناص اللحظة المناسبة للانقضاض والسيطرة عليه، حتى تحولت المشكلة إلى طاحونة صراع طائفي دَمرَ كل ما بناه وتفنن في إبداعه الإنسان اليمني بدليل قول الشاعر الشعبي من خولان إبان تولي قبيلة سنحان الحكم:
سلام من خولان طاير لا قحازة*** خولان باتصبر عليكم لو ما علي يطرح جهازه
وبنظرة فاحصة للمعضلة الطائفية في اليمن نجد أن المجتمع اليمني عانى لعقودٍ مضت جراء الصراعات الطائفية المتمثلة في تمازج مكوني "القبيلة والمذهب" اللذين كانا سبباً في كبوة اليمن وأعاقا بشكل جلي تقدمه ولحاقه بركب الأمم المتقدمة، سيما وأن الطائفية تزهو في ظل إخفاق الدولة الوطنية وفشلها في نشر ثقافة وطنية يقتنع على إثرها الأفراد "أبناء القبائل" أن لهم حقوقاً مشتركة ومحمية من قبلها تقوم على مبدأ العدل والمساواة وعدم التمييز وفقاً لقوانين عادلة وذلك ما لم يكن حاصلاً في اليمن.
المؤرخ الشهير " G.sabine" في كتابه " history of political theory" تاريخ النظريات السياسية" يؤكد أن اليمن عانت سنين طويلة من خلل جوهري وحقيقي يتعلق بالمساواة جراء مفهوم الطائفية المقيتة في الجوانب النظرية والتطبيقية على حدٍ سواء، برغم دعوات بعض المفكرين والكتاب اليمنيين إلى التخفيف من قيود السلطان المطلق على الفرد من قبل المذهب والقبيلة والتي كانت ولا زالت تجرده من آدميته بل وصنعت منه وسيلة أو آلة مادية حربية قاتلة فحسب، ولم تُحترَم قيمته الإنسانية الأصيلة والجوهرية المتأصلة في ذاته وطبيعته، التي استمدها من سلطان الله وشرعه العادل وهذه الخاصية هي التي يجب أن يناضل في سبيل تحقيقها المجتمع اليمني مهما بلغت في معايير الحسابات المادية التضحيات.
هذه مخاطر الطائفية في اليمن عموماً فزاد من عمق جراحها اليوم تدخل الأيادي والمطامع الخارجية، وعلى رأسها التدخل الإيراني الفارسي الذي يتخذ من الحروب الطائفية وإثارتها معولاً لهدم المجتمعات العربية وتفكيك أواصرها وبناها الاجتماعية، ومنها اليمن بعد أن دَمر العراق بنفس الطريقة، ومصادرة عقول أبنائها، أو تلاقيها معهم عند نقاط الهيمنة وجنون تولي السلطة، متَّخذين من البروتوكول الخامس لحكماء صهيون منهجاً عملياً لتنفيذ تلك السياسات والذي أكد على أن "نجاح اليهود تحقق عن طريق نشر العصبيات الدينية والقبلية خلال عشرين قرناً من الزمن، مما جعل الأمم تنشغل بخطرها عن خطر جيرانها اليهود" وفقاً لما أورده الدكتور/ فارس الخطاب في بحثه الموسوم "الطائفية فتنة الحاضر والمستقبل".
وعليه فقد أصبحت الطائفية إشكالية مجتمعية متعددة الأضرار والجوانب لأنها تبقى على الدوام عائقاً كما أسلفنا ومتنقلة بين التخفي والكمون، واليقظة والظهور بتفكير وأهداف استقلالية عن محيطها الاجتماعي ومن ثم تعيد إنتاج المجتمع إلى كيانات وطوائف تنكر القوانين وتصطدم بكيان الدولة صاحبة السيادة على المجتمع وفقاً لأسس علمية حديثة.