الشباب في كل أمة، وفي كل دولة، وتحت كل نظام، هم معيار الرضا أو السخط عن أداء الدولة الإيجابي أو السلبي، وعن تحقيق النظام القائم لتطلعات جيل الأمة في الحاضر وفي المستقبل من خلال دراسة الماضي والاستفادة منه في البقاء أو التغيير، جيل الشباب هو شوكة الميزان الحساس الذي توزن به الأمور والأشياء في نظرة الشعب لحاكمه ونظامه، وفي نظرة الحاكم ونظامه إلى الشعب، هم الميزان الذهبي الحساس الذي يحكم على تحقق العدل والحرية والمساواة بمعيار الجَرَام، والذي يحكم على مقدار الظلم والاستبداد والطغيان والبغي والإجرام بمعيار الجَرَام أيضا.
صحيح أن جيل الشباب تكون تجربته قصيرة وخبرته ناقصة نظرا لعمره الذي قضاه، ونظرا لانشغاله في مقتبل عمره في بناء ذاته وتنمية عقله وجسمه وتحقيق هواياته ومسايرة مراهقاته، لكن نظراته إلى من حوله من حكام ومحكومين تكون على قدر عال من الأحقية والصوابية، لأن يستكمل النقص بالتربية الوطنية والسياسية والحزبية وبالثقافة والوعي، فتكون لديه السرعة والقدرة في قلب الأمور على الحكام الذين لا يرغب فيهم أو يرى أنهم لا يستحقون العيش على كرسي الحكم للتقصير المفرط في حق الشعب، أو ارتكاب الخيانة العظمى في المسؤوليات وأداء الأمانات، لكنهم أيضا يعوِّضون عن ذلك بالاستماع الإيجابي المتفاعل إلى الساسة الكبار في عصرهم المحبون لأوطانهم الغيورون على شعوبهم روَّاد التغيير والإصلاح المجتمعي والسياسي والإداري الشامل، فينهلون من تجاربهم وخبراتهم وتوجيهاتهم ما يتزودون به للنهوض بالمهمات وتحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطن والدولة والنظام، هنا ينتفض الشباب عن بصيرة ويقلب الطاولة من تحت حكامه رأسا على عقب، بإحداث ثورة عارمة ضد البغاة والطغيان وحكام الدهر والزمان، ويوقظ كل المجتمع من حوله من النائمين والنائيين والصامتين والمحايدين والخاملين للتحرك والتغيير .
فالشباب الواعي لقضايا أمته ووطنه ودينه المنظّم في حياته والموجَّه ذو الهمة العالية وسواء كان حزبيا منتميا أم مستقلا لا ينتمي هؤلاء يأتون بالحلول من آخرها بشجاعة متناهية في النزول الميداني والإصرار والصمود بكل الوسائل المشروعة، بعد أن يستفرغ السياسيون الكبار في المعارضة السياسية المخلصة والشخصيات الاجتماعية والوطنية المعتبرة كل جهودهم في محاورة الحاكم المستبد الخارج عن شعبه ودستوره، ويقومون بمراضاته وتقليبه على كل وجه لعله يرضى، لعله يتراجع، لعله يقتنع، لعله يغلّب المصلحة الوطنية العليا أو السفلى! من باب الترويض السياسي، بعد ذلك تبدأ المعارضة السياسية تطبخ ثورتها السلمية ومنهجها في التغيير السلمي على نار هادئة مملة طويلة المدى، على طريقة جلسات التدليك المطوّلة البطيئة، هنا يكون صبر الشباب المتحزب والمستقل والمواطن العادي والمثقف الحاذق قد نفذ، فيرفعون فتيلهم ومنسوب اشتعال النار فتدخل عصابة الحكم في (القِدْر الضّغّاط) سريع الطهي! ويحسموا أمرهم في إنقاذ البلاد والعباد من أيدي المفسدين المتجبرين بحلول متسارعة وثورات شبابية شعبية شاملة ينخرط فيها جميع فئات الشعب وأطيافه المحبة للتغيير.
هناك يحدث التغيير في المعادلة السياسية على أرض الواقع وفي ذات منظومة الأزلام والأصنام البشرية المعبودة، ذلك أن الشباب هم الذين يملكون المقياس الحقيقي الذي يقيسون به مقدار التقدم والتأخر، والهدى والضلال، والازدهار والاندثار، والحرية والاستعباد، والعدل والظلم، ونسبة الجوع والإطعام، والخوف والأمان، والاطمئنان والطغيان، فإما يقيمون حكام وأنظمة ويقيمون لهم صروح وعروش، وإما يقيمون محاكم للحكام، فيسقطون دولا وأنظمة ويحطمون الكروش والعفوش، فكيف لما يكون هؤلاء الشباب الثائرون رواد التغيير وصانعوا الثورات هم جيل ذلك الحاكم الزُّمَاني المعتق القديم، ومن أبناء ذلك العهد الذي جثم فيه رب الأسرة في كرس الحكم عشرات السنين ويريد أن يزداد لنفسه ولم يشبع ولم يقنع، بل كاد يورِّث السلطة لشباب عائلته وآل بيته وأحفاده وأقربائه، كي تتوارث الأسرة السلطة والزعامة طبقا عن طبق، وكي تستمر الحكاية في الأولاد والأحفاد والأجيال كما تمتد الآمال ويتسع الخيال؟!
ذلك هو ما صنعه شباب اليمن اليمن الميمون، وذلك هو ما صنعه جيل الشباب اليمني جيل الوحدة في الجمهورية اليمنية، ومن تعز الثوَّارة كانت أولى الشرَارة، و(من تعز كانت البداية) للثورة الشبابية الشعبية السلمية في 11فبراير 2011 و( من تعز كانت النهاية) لحكم عفاش ونظامه وسقوط زبانيته، ومن تعز كانت البداية للمقاومة المسلحة في مواجهة الطغيان الثنائي والانقلاب الإجرامي المركّب، وكانت بداية حروب الردة السياسية للقوى الظلامية ومحور الشر العفاشي والحوثي الفاشي وانطلاق دولة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة الشعبية العارمة، فكان طاهش الحوبان يقاوم جيوش عفاش حاكم سنحان، ويجاهد مليشيات الحوثي حاكم مرَّان بالمليان، ومعهما جند السماء وملائكة الرحمن، وصار للشرعية دولة ومكانا وأرضا وإنسانا وإمكانات، وقوى الشر والتمرد والانقلاب تتهَاوىَ كل يوم تحت مضارب النيران وتغيب زعامات الممات في متاهات النسيان.
أستاذ مشارك- كلية الآداب- جامعة تعز