يرى المثقفون والأدباء والفنانون - ليس في بلدنا فحسب، بل في البلاد العربية كلها - أن الثقافة ستكون أغنى، والإبداع سيغدو أروع، والأدب أعمق والفن أجمل.. لو أُلغيت وزارات الثقافة في العالم العربي.
الصحافيون - وعموم الإعلاميين - هم أيضاً يرون، بل ويعتقدون، أن إلغاء وزارات الإعلام العربية عامل هام ورئيس ومباشر لاتساع رقعة التفوق والتميز والرحابة والحرية في عالم الإعلام بشتى فنونه وفي كل ميادينه.
والأحزاب في البلاد العربية تُطالب برفع قبضة وزارة الداخلية عن عملية الانتخابات بمختلف مستوياتها وعن شؤون العمل السياسي بمختلف تنوعاته.. وتدعو إلى وضع الأمر في كنف السلطة القضائية، حتى تتحرر الانتخابات والعمل السياسي إجمالاً من ربقة التسلط والسيطرة ومن شبهة التلاعب وشبح التزوير.
وثمة علماء وخبراء تعليم يجدون في وزارات التربية والتعليم العربية شوكة في خاصرة العملية التعليمية برمتها.. وأن موجات الجهل والتجهيل والتخلف والأمية التي تتدفق إلى أذهان ووجدان الطلاب والتلاميذ - جيلاً إثر جيل - إنما قادمة من أقبية تلك الوزارة، ومن أدمغة موظفيها ومسؤوليها وواضعي المناهج وراسمي السياسات فيها.
ويرى أهل العلم بالشيء أن وزارات مثل التموين والصحة والإسكان - على سبيل المثال - لم تعد ثمة جدوى لوجودها أصلاً، بعد أن رفعت الدولة يدها تماماً عن لقمة المواطن ودوائه وسكنه وهي من أكثر الضرورات الحياتية قيمة، مثلما هي من أكثر وظائف الدولة أهمية.
فلم تعد ثمة سلطة للدولة على الخبز الذي بات محكوماً بريموت كونترول التجار.. ولم يعد التطبيب المجاني - أو حتى رمزي الثمن - من واجبات الدولة، ولو تجاه الفقراء والمعدمين دون الآخرين، فالاستثمار الزائف والقاسي هو صاحب النفوذ في هذا الميدان الخطير.. أما السكن - ومشاريع السكن الشعبي - فلا دخل للدولة البتة فيه، فمن أراد بيتاً فلا ينتظر من الدولة طوبة، ولينظر في جيبه إذا حوى ملايين الريالات ثمناً لأحقر البيوت.
ماذا بقيَ من الوزارات ومؤسسات الدولة والحكومات، إذن؟
الخارجية؟.. لا أظن!
فالقرار السياسي والتحرك الديبلوماسي غدا مجرد حركات مسرحية هزلية هزيلة، بعد أن صار القرار الأول والأخير في حوزة الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
الدفاع؟.. مستحيل!
إذْ لم يعد ثمة وجود حقيقي أو حتى شبهة وجود لمعنى "السيادة" في ظل العولمة الأميركانية، وتحت وطأة ما صارت تسمى بالحرب الدولية على الإرهاب.. ناهيك عن أن تسليح كل الدول العربية لا يرقى - نوعيةً وفاعلية - إلى ما هو مخزون في الترسانة العسكرية لأعداء العرب، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني والكائن الإيراني.
وقد يغضب "شيعة قُم" لأنني ساويتُ بين تل أبيب وطهران.. غير أن واقع الحال يُبطِل كل غضب بعد أن يُزيل كل عجب.
فالأرض العربية - اليوم- محتلة من قبل طرفين لا ثالث لهما: اليهود والمجوس.. أولئك الذين لا زالوا يربضون على أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا ولبنان.. وهؤلاء الذين يتواجدون على الجزر الإماراتية الثلاث.. تُضاف إليهما أسبانيا وبريطانيا في مواقع سيادية عربية مغربية. إذن، ما مكان ومكانة الدولة في واقع البلاد العربية؟..
لا وجودَ حقيقياً لها البتة.. إنما هي محصورة في صفحات قليلة من الموسوعة السياسية والأطالس الجغرافية.. وجميعها طبعات قديمة صدرت عن مطابع لم تعد قائمة، بل حلت محلها مطاعم ماكدونالد وكافيهات شوب وسلسلة فنادق كونتيننتال!..