كان الكيان القبلي المجتمعي التقليدي العتيق أساس كل المجتمعات القديمة كقبائل الهكسوس والتتار والعثمانيين والعرب القدامى، إلا أنه اضمحل في البلدان الديمقراطية والدول التي حكَّمت القانون وحلت محله الكيانات السياسية الحزبية والنقابية والعمالية الحديثة لتعبر عن كل شريحة من شرائح المجتمع دون تمييز بين الناس على أساس العرق أو الدين أو اللغة والمذهب فكانت الجامع الوطني لكل أطيافه بعدل ومساواة.
بينما كانت اليمن تعيش مأساة جراح محافظة صعدة، وانكسار عمران وسقوط صنعاء وتفكك المؤسسة الأمنية والعسكرية، أناخت القبيلة بعيرها هناك، وأفردت حمولتها، وأحْنَت قامتها عند أول صورة "للبقش" تم التلويح بها، بل واندفعت تهيم في كل ناحيةٍ واتجاه تقاتل، لا تدري لماذا؟ وما هو الهدف والمبتغى، إنها ظاهرة مجتمعية مستعصية شارك في صنعها عقالها والنافذين فيها، وهي أيضاً ثقافة الهزيمة والإخفاق والجراح الأولى ولن تكون الأخيرة.
ومن هنا فإن القبيلة كانت ولازالت الكيان المجتمعي المؤرق لليمن، كونه كان المهيمن على الدولة والمجتمع طوال مرحلة ثورة 26 سبتمبر وما بعدها، إلى أن اقتحم الحوثي دورهم وحفر قبورهم تحديداً قبيلة إقليم آزال التي استمرت عائقاً أمام قيام الدولة وغلَّبَتْ عرفها المتخلف على الشرع والقانون، وزرعت نقاط التقطع والقطاع في كل قضية قل شأنها أو كثُر بعيداً عن الدولة واستهانة بها من جانب وسخرية بنظامها الجمهوري من جانب آخر، لأنه أعطى للحرية مجال وللحقوق مساحة، ولأنه لم يضرب على أعناقها كما فعلت الإمامة، التي كانت كما يشاع لهم الداء والدواء بحسب بعض الأصوات الموالية.
في الوقت الذي لجأ فيه الشيخ عبدالمجيد الزنداني إلى تعز للحماية والنصرة لعدم ثقته بالقبيلة التي ظل يتغنى بها ويراهن عليها طوال حياته، باتت القبيلة اليوم عاجزة حتى عن حماية قادتها وأبنائها الذين خدموها ورفعوا من شأنها، بداية من قبيلة حاشد التي تخلت عن ابنها اللواء حميد القشيبي وغيره من القادة والمشايخ حتى أن بعض الضباط الذين ظهروا كشهود على الحادثة في برنامج "خيوط اللعبة" أخفوا وجوههم خوفاً ورعباً وهزيمة، ونهاية بقبيلة الحدأ المذحجية في ذمار التي تُعد من أكبر قبائل اليمن والتي بلغ عدد سكانها حوالي 200 الف نسمة، تعداد يقارب سكان دولة قطر التي لها جيش وقنوات فضائية وتدعم الكثير من فقراء العرب والمسلمين حتى أصبح المواطن فيها يفاخر الدنيا بأنه الأكثر دخلا والأقل فقراً والأكثر صحة وتقنية وتعليما وحقوقا إنسانية وقانونية ورغدا في العيش والأمن، وتناطح الدول الديمقراطية الكبرى غرباً وشرقا.
قبيلة الحدأ التي تتاخم ثلاث محافظات مأرب والبيضاء وصنعاء ولا ترد معسكراً أو وحدة أمنية أو كلية عسكرية إلا وجدت أحد أبنائها ضابط، أو صف، أو جندي، وقادة جيش وأمن من بيوت المشيخ الكبيرة، باتت اليوم عاجزة عن حماية منزل أحد أعلامها "الدكتور صالح الضبياني" الذي بذل حياته في البحث إما عن يتيم يكسوه أو أميٌ يعلمه القرآن أو صاحب دم يصنع لقضيته الحل.
البرلماني المجاهر بالحق، المدرس والمفتي في علوم الشرع، المؤسس للأعمال الخيرية ومدارس تحفيظ القرآن الكريم كل ذلك لم يستفز قبيلته ولم يشفع له حتى صار وغيره شريداً كسيراً يبحث عن أمان بعد أنْ انتُهِكتْ بيته وانتهبت مؤلفاته على مرأى ومسمع من كل أبناء القبيلة، والذي عمق الحزن ووسع الجرح أكثر أن جل المشاركين في تلك الجريمة من أبناء القبيلة ذاتها أبناء عمومته دماً ونسب.
هذا الكيان القبلي الذي ظل جيشاً للإمامة طوال فترة حكمه كان أداة حادة تقمع به من تريد بداية من المواطن العاري جسده الخاوية معدته، وانتهاءً بكل الحركات الوطنية الثائرة في وجه الظلم والعبودية والاستبداد، والتي انثنت تنفش ريشها بعد إعاقتها سنين لقيام الثورة والجمهورية تطالب بالتقاسم والتحاصص والوظائف في مرافق الدولة، بعد أن أفرغت شوالات الشقيقة من الدعم إبان حروب الثورة، صارت اليوم مثالاً للاستكانة والإنبطاح، فأين العيب الأسود؟! أين النكف أين نصرة الإبن والأخ والجار؟
أين شرع الله فيكم أين الدماء التي جرت في عروق أويس القرني منكم، حين قال وهو الفقير المعدوم "اللهم إني أعتذر إليك من كل كبدٍ جائعة وجسدٍ عارٍ فليس لي إلا ما على ظهري وما حوت بطني".
اصنعوا لنا النموذج وكونوا أنتم القدوات يا قبائل اليمن الأصيلة، أفيقوا من سباتكم فأنتم أصحاب السيادة والأرض، خذوا مواقعكم الوطنية، انتصبوا للغيرة والفداء كما فعل الأوائل عبر التاريخ منكم، متى سيكون الإنتصار للوطن والمظلومين فيكم؟! ننتظر منكم الفعل المرجو والمأمول حتى لا نصدق نحن كشعب ما قيل عنكم أنه لا يمضي فيكم إلا سيف الإمامة وقيودها.