مع وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى سدة الحكم خلفاً للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في الـ 20 من يناير الماضي بدأت بوادر مرحلة جديدة من السياسات تمثل عهداً جديداً وهو أمن الاستراتيجيات والتي تعتبر امتداداً لنهج المؤسسين الأوائل لنظرية الصدام والعنف من أمثال جورج بوش الأب والابن وغيرهم من صقور التشدد في بلاد العم سام والتي تميل إلى المواجهة كما هو ديدن سياسة الحزب الجمهوري على عكس سياسة الديمقراطيين التي تميل إلى الاحتواء والمناورة واللعب بالكثير من الملفات عبر وكلاء أو أطراف غير مرئية.
دعونا نناقش السؤال الأهم: من هو ترامب، ومن يمثل، ومن يدعمه؟ سؤال غفل عنه الكثيرون حيث توقف التحليل فقط على شخصية ترامب المثيرة للجدل: فالبعض يصفه بالمستبد، وآخر يقول عنه: نموذج حي لبعض زعامات العرب، وآخر يذهب بحنق لتسميته بالأصفر حسب توصيف ناشط يمني مقيم في أميركا و مناهض لسياسة ترامب هناك.
قد نتفق أو نختلف مع ما يذهبون إليه – لكن يبقى التساؤل: ما الذي جعل ترامب الظاهرة تظهر على السطح بغض النظر عن ترامب الشخص؟
باعتقادي يمثل ترامب ظاهرة أميركية برزت للسطح على عكس ما ذهب إليه كثيرون من أنه مجرد فرد نزق وصل إلى السلطة ويحبذ ممارسة جنونه من هناك، وذلك لأن الحقيقة تقول وببساطه: من يتتبع الحملة الانتخابية للرجل وخطاباته الواضحة والتي بموجبها تم انتخابه وصعوده المفاجئ مما يعني أن ترامب هو عينة مصغرة لجمهور أميركي يؤمن بما يذهب إليه ترامب من أفكار وتوجهات وهو ما يمثل تيارا عريضا داخل المجتمع الأميركي يسعى للعزلة والتقوقع والانفراد ولم يتبق إلا أن يرفع شعار أميركا للأميركيين الأصليين مما ينافي الأساس الذي بنيت عليه أميركا حيث مثل المهاجرون الأصل لقيام الدولة هناك.
لنعترف إذاً: ترامب ظاهرة وليس شخصاً فقط ولقد ساهم الحزب الديمقراطي في تنمية هذه الظاهرة بطريقة أو أخرى عبر سياسته تجاه العديد من الملفات التي تمثل أهمية للمجتمع الأميركي وعنوانا رئيسا لحضور أميركي طاغ وهو يرى أن هيبة قائدة العالم الجديد تمرغت بالتراب، حيث تنازلت إدارة أوباما عن العديد من الملفات لصالح قوى صاعدة لا تمثل أي قوة اقتصادية، حيث توسع نهم الدب الروسي لسد الفراغ في أماكن حيوية ومنها شبه جزيرة القرم، وفي سوريا وانسحاب النفوذ الأميركي من المنطقة العربية لصالح التوسع الإيراني وتم رفع العقوبات عن إيران مقابل تنازلها عن طموحاتها النووية إضافة إلى مشاهدة المحاولات الخليجية بامتلاك زمام المبادرة والقرار بقيادة السعودية لإثبات الذات والتخلي عن الراعي الأميركي بالحماية كما كان بالسابق.
إذاً مع كل ما جرى ويجري، يرى الشعب الأميركي وتحديداً جمهور ترامب (الظاهرة) يرى أنه لا بد من دور فاعل لأميركا في العالم يعتمد على القوة والنفوذ والسيطرة مجدداً على منابع الطاقة، حيث غردت إيفانكا ترامب على تويتر عشية تنصيب والدها (أصل إلى العاصمة واشنطن مع عائلتي لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) وهو ما يفسر جنوح تيار عريض للقوة والاستعراض وهو ما استهله ترامب بتنفيذ عملية عسكرية أميركية بإنزال مظلي لأول مرة في منطقة قبلية باليمن بحجة استهداف قيادات بالقاعدة وتم من خلالها قتل العديد من الأطفال والنساء.
رسائل معينة تتوالى مؤشراتها: نبرة عنصرية تجاه المهاجرين والسبب مخاوف إيديولوجية من تغييرات ديمغرافية في المجتمع الأميركي، خطاب أكثر تشدداً تجاه إيران وإن بدا أنه صيغة أخرى جديدة لتقاسم النفوذ بالمنطقة إلا أنه- على ما يبدو -لن يسمح لإيران بتجاوز السقف المسموح لها، ملف الإرهاب وجبة دسمة للقيادة الأميركية الجديدة، وليس آخرها الجدار العازل مع المكسيك.. كل تلك المؤشرات تحمل معها دلالات لاكتشاف المزيد من نهج الظاهرة الترامبية القادمة.
محطات أخرى من الممكن أن تمثل قياسا لأداء الإدارة الأميركية الجديدة: الموقف من القضية الفلسطينية والاستيطان الإسرائيلي هناك، الوضع السوري، الشأن اليمني ودور التحالف العربي لإعادة الشرعية هناك، ملف كوريا الشمالية، التجربة التركية المثيرة للصداع الأميركي والغربي المزمن وغيرها من الملفات الحساسة.