;
د. محمد الرميحي
د. محمد الرميحي

سلام المنهكين! 1037

2017-02-05 03:09:04

آجلاً أم عاجلاً سوف يدخل أحدهم على الرئيس دونالد ترمب ويقول له: سيدي الرئيس إنك تحاول أن تعالج نتائج المشكلة٬ وتتجاهل صلبها٬ فعلاجك هذا لن يشفي وإن أشقى!
 وعندما يرفع الرئيس حاجبيه متعجًبا من القول الذي لن يستوعبه على الفور؟٬ يكمل المخاطب وجهة نظره٬ بأن هذه الضجة التي أثارت كل العالم بمنع عدد من مواطني الدول من الدخول إلى الولايات المتحدة٬ لن تحل المشكلة ولا هي أساساً المشكلة٬ العقدة في الشرق الأوسط إن كانت الإرهاب٬ فلا بد من النظر في الملف السوري٬ الذي يصّدر منذ سنوات ملايين المهجرين؛ اليوم في تركيا ثلاثة ملايين ونصف المليون مهجر سوري٬ أي 5.3 في المائة من عدد سكان تركيا٬ ومليون في لبنان أي 20 في المائة من سكان لبنان٬ وثمانمائة ألف في الأردن٬ أي 9 في المائة من سكان الأردن٬ و230 ألفًا في العراق٬ كما يوجد داخل العراق أيضا 2.3 مليون مهجر عراقي٬ ومئات الآلاف من السوريين في دول الخليج.. هنا لب المشكلة وهنا علاجها!
يعتاد السياسيون على الذهاب إلى الحلول المبسطة هروًبا من الحلول المعقدة٬ الرئيس دونالد ترمب ليس أولهم ولن يكون الأخير٬ كما يساير الإعلام في معظم الأوقات الرقص على تلك القضايا الهامشية دون الالتفات إلى أصل المشكلة وجذرها٬ والإعلام العالمي اليوم يفعل ذلك بامتياز٬ المسؤول يعزف النشاز والإعلام يرقص على نغماته.
الملف الرئيسي في الشرق الأوسط٬ ليس الإرهاب٬ على أهميته٬ هو نتيجة. الملف الحقيقي هو سوريا٬ التي ورثت الإدارة الأميركية ملفها كأرض للفرص الضائعة٬ وربما في المستقبل يشار إليه للتدليل على التردد الأميركي٬ وفشل الدبلوماسية الأميركية بامتياز.. ربما كان اجتهاد الإدارة السابقة (الأوبامية) ارتكز على أن سوريا ليست تصبح مثلاً من أولويات الاهتمام الأميركي٬ وقد تُرك الجرح يصل إلى التقيح٬ ثم أصبح يهدد الجوار٬ فلا لبنان ولا تركيا ولا الأردن بمعزل عن الإصابة٬ ولا حتى دول بعيدة نسبًيا عن بؤرة الصراع.
 الجرح المتقيح الآن بدأ يهتك النسيج الداخلي في سوريا٬ فقد نقل لي صديق قادم من دمشق التقيته في إحدى العواصم مؤخراً٬ أن القوى العسكرية السورية الرسمية ليست واحدة؛ أولاً هي في شقاق بين بعضها البعض٬ وثانًيا تتوجه لحماية نفسها قبل أن تكون موالية للنظام٬ وقد نما بين بعضها هذا الفهم٬ إلى درجة إعلانه حتى في أحياء دمشق: نحن الذين نحمي الأسد٬ ولا يحمينا! وإن كثيرا من القرارات هي للمجموعات الإيرانية التي تتحكم في عدد من الميليشيات اللبنانية والإيرانية والعراقية وغيرها٬ 
ذلك على صعيد ما كان يعرف بالنظام في سوريا٬ أما على صعيد ما يعرف بالمعارضة٬ فإن الانشقاقات بين قوى العسكر تماثل تكاثر الأميبا؛ الجيش الحر٬ جيش الفتح٬ أحرار الشام٬ فتح الشام٬ فتح الإسلام٬ حماية الشعب (كردية)٬ وغيرها. وكلها مجموعات مسلحة لا رابط بينها.
هذا الملف المعقد لا تستطيع الدبلوماسية الأميركية٬ ولا حتى الروسية أو الإيرانية٬ تفكيك خيوطه أو البدء بمعرفة من أين يمكن علاجه وبأي وسيلة.
يبدو أن الدبلوماسية الأميركية ترغب في ترك تلك القوى تقوم بعملية «الإنهاك المتبادل» كما تقترح بعض الدراسات الأميركية الأخيرة. إن صح ذلك فسوف يترك أمرين بالغي الخطورة؛ الأول تدمير مأساوي لما تبقى من النسيج الاجتماعي السوري٬ والثاني هو احتمال ممكن للإزاحة وتمدد القيح السوري إلى دول مجاورة وربما الإقليم ككل.. على المقلب الآخر إعلان الحرب (على الخلافة المزعومة) في الرقة والموصل٬ وهي من جديد مكلفة وقد تتيح فرصا جديدة لظهور قوى أو مجموعات متشددة أكثر خطورة ومنتشرة في الإقليم انتشار السرطان في الجسم الحي٬ إن عولجت كملف خاص بها٬ دون ربطها بمجموعة الآليات التي أنتجتها في بداية الأمر٬ وهي أساساً فشل الدولة في كل من العراق ولبنان وسوريا٬ يمكن لتلك المجاميع الجديدة أن تضرب في أماكن مختلفة وبطرق مختلفة أيضا٬ وتهدد أمن العالم.
اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط هي التي خلفت موجات ضخمة من المهاجرين والمهجرين حتى وصلوا إلى أوروبا٬ والتي ساعدت كلاً من إيران ثم روسيا الاتحادية على تفاقمها وانتشارها٬ وكانت الولايات المتحدة متفرجة. واليوم ليس لدى الإدارة الأميركية خيارات كثيرة يمكن البدء بها٬ غير التوجه إلى الحمائية من خلال استثمار شعبوي للمتاجرة بالتخويف من المهاجرين٬ الآخرين الشياطين. 
 الخيار الآخر هو ما يطرح اليوم همسا٬ وما يسمى «المشاركة في التكاليف» أي إنشاء مناطق عازلة أو محمية لإبقاء أو تجميع المهجرين السوريين في منطقة واحدة٬ وتكرار مثال مقارب في «مخيمات اللاجئين الفلسطينيين» في الجوار الإسرائيلي٬ وهو نموذج إن اكتفي به بحد ذاته٬ يساعد على التغيير الديموغرافي الذي ترغب فيه إيران والنظام! وقد يفرخ أشكالاً من جماعات العنف٬ وجماعات ما دون الدولة! كما أن تلك المشاركة في التكاليف تخرج العمل السياسي القائم على المبادئ إلى أعمال بيزنس! كل المؤشرات حتى الآن تقودنا إلى القول إن الإدارة الأميركية الجديدة ليس في جعبتها إلا الحلول البسيطة وربما الساذجة وهي ليست حلولاً.
 الخيار هو الوقوف بحزم أمام التوسع الإيراني والشهوة الروسية٬ بسياسة واضحة ومطالب واضحة٬ أساسها انسحاب القوى الإيرانية وميليشياتها من كلتا الأرضين السورية والعراقية٬ وكف شهوة موسكو في السيطرة٬ وهو خيار لا يبدو حتى الآن ممكنًا أو واضحا أو متبلورا لدى الإدارة الأميركية الجديدة. الضبابية هي السائدة٬ وتتجلي في تناقضها بين الرغبة في إنهاء آثار العولمة الإنسانية (الهجرة) والإبقاء على آثارها الاقتصادية في الوقت نفسه! وقد يظهر في القريب أن إنهاء العولمة بهذه الطريقة٬ قد يكون أكثر خطورة من وجودها في الأصل٬ كما أن محاولة التوجه إلى القضايا الثانوية يعرض المجتمع الأميركي إلى الانشطار الحقيقي! العالم قد يجد نفسه أمام سياسة أميركية (أوبامية متعاكسة) إن صح التعبير٬ بمعنى النأي بالنفس عن المشكلات الكبرى والحمائية٬ ووضع اللوم على الآخر المتخيل (الإرهاب الإسلامي)! المخاطرة الأخرى التي تواجه العالم في حالة السيولة الواضحة للسياسة الأميركية٬ هي فقد السيطرة على التفاعلات المختلفة في إطار المجتمع الدولي٬ والتقلص في وظائف الدولة الكبرى حتى الآن في العالم٬ كما سوف يسبب لا محالة انكماشا حاًدا في الاقتصاد الأميركي٬ وهو أمر يبدو أن الصينيين قد بدأوا يستثمرونه٬ بدًءا من اجتماع دافوس الأخير. لا فكاك من ارتباط شعار «لنجعل أميركا عظيمة» مع شعار «لنجعل التجارة العالمية عظيمة»٬ التوجه التبسيطي للإدارة القائمة في واشنطن للحفاظ على أحد الشعارات وترك الآخر٬ في التبادلات الدولية٬ وهي عظيمة لأنها مكان «الانصهار العظيم»٬ وهي عظيمة هو فصل تعسفي لا تستقيم معه الأمور.
 أميركا عظيمة لأن الدولار هو العملة الأكثر تداولاً لأنها تشارك في حفظ السلام الدولي٬ وهي عظيمة لأن تمثال الحرية شهد الهجرات الكبرى التي خدمت أميركا. بغير هذا لن تكون عظيمة إلا على أوراق الرئاسة في البيت الأبيض٬ ترى متى سوف يدخل ذلك الشخص إلى المكتب البيضاوي ويقول للرئيس: «لقد لعبتها بالخطأ حتى لو كانت لديك الغالبية من أصوات المندوبين»!
آخر الكلام:
معظم الكبار في إدارة الولايات المتحدة كان لهم رأي ثاقب٬ وودرو ويلسون (الرئيس رقم 28 (صاحب المبادئ الأربعة عشر الشهيرة)٬ قال لمواطنيه: «اذهبوا وأنتم تحملون البضائع التي تُسعد الإنسان٬ وانشروا مبادئ وقيم الحرية والعدالة»!
*عن الشرق الأوسط

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد