صعدت الحركة الحوثية ونمت وانتشرت بفعل فاعل، هكذا تقول الأحداث والوقائع المصاحبة للإنتفاشة الظاهرة، ولأنها حركة دينية فكرية ومؤدلجة احتفظت كخمائر من اجتهادات فكرية (جعفرية- جناح زيدي متعطش للسلطة) تحت الرماد (رماد الآثار المترتبة على التغيير الظاهر المصاحب لثورة 26 سبتمبر ضد الإمامة) والتي حجبتها عن الظهور مؤقتاً إلا أنها ظلت تتحرك وتتنفس بشكل خفي لتثبيت أذرعها وسواعدها للانتشار في جسد السلطة والتحكم بمفاصله من جديد في اليمن حتى ظهرت لنا هذه الخلطة العجيبة للعلن .
ولأنها خميرة سلطة سابقة وملك عاض (الإمامية بنسختها السياسية السابقة) لذلك فأجواء السلطة ومغرياتها هي البيئة الخصبة والمناسبة لانتشارها ونموها وتحقيق طموحاتها بالحكم واستعادة الإرث السلطوي المدفون بثورة اليمنيين في 26 سبتمبر والذي عرفت مفتاح السر للانتفاشة الإمامية بقطع الرأس والثورة على السلطة التي كانت اليد الطولى للهيمنة على اليمن والتحكم بمقدراته، لذلك لا نستغرب اليوم أن نجد الجائحة الحوثية وهي تمد أذرعها للبحث عن مصادر دعم مادي وسياسي ولوجستي من دول خارجية وأنظمة، كون الحركة ربيبة سلطة ونفوذ وإرث امتد لقرون طويلة فلا تستطيع التمدد والنمو إلا ببيئة سلطة ودعم نظام وذلك منذ مجيء إمامها الهادي الرسي قديما إلى اليمن، لذلك تعود بنا الذكريات إلى قول أحد رموزها السابقين والقصيدة موجهة للملك الراحل/ فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله :
قل لـ(فيصل) والقصور العوالي
إننا نخبة أباة أشاوس
سنعيد الإمامة للحكم يوماً
بثياب النبي أو بثوب ماركس
فإذا ما خابت الحجاز ونجد
فلنا إخوة كرام بـ(فارس)
بمعنى أنها ستتوثب وتبحث عن مصادر دعم سياسي ومادي ولو أدى إلى تمذهبها بمذهب جديد مغاير للبيئة الزيدية القادمة منها ولذلك وجدت بالجعفرية وسيلة لاستمالة الدعم الخارجي ومن دول مذهبية (إيران تحديدا) أو أي جهة أخرى للوصول للحكم بأي طريقة ووسيلة .
لذلك لا نستغرب فهي ربيبة سلطة وصنيعة نظام سياسي أتت من القمة ولم تأت من القاع لذلك كان بيئة النظام السياسي اليمني السابق في عهد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح هي التربة للاحتفاظ بها كخميرة تسكن الجسد السياسي اليمني وتتطفل وتنمو كميكروبات خفية تنتظر البيئة المواتية للنمو والازدهار والوصول لقمة الهرم السياسي مجددا .
ولأن المصالح المتبادلة بين بقائها كطرف ضاغط وورقة رابحة للنظام السابق وبين رؤيتها وتعطشها للوثب على كرسي السلطة من جديد لذلك كان لها الاستفادة من الدعم الممنوح من النظام السابق وانتشرت بموجبه في كل مفاصل السلطة العسكرية والسياسية والتربوية والقضائية وغيرها بل وأنتجت نظاماً سياسياً سرياً (هاشمي) يدير الدفة من خلف الكواليس وهو ما ظهر بقوة بعد الانتفاشة الأخيرة وظهر سعيه الحثيث لتهشيم أجهزة الدولة والزج بعناصره في مفاصلها ونتج عن هذا التحالف تزاوج بنوي سياسي فكري يسعى الآن للسيطرة على السلطة مجددا .
فلذلك ليس أمامها لتتغلب على النسيج اليمني الكبير والمتنوع إلا بالسيطرة المطلقة على السلطة لتتحكم بقرار إذلال اليمنيين والسيطرة عليهم لإشباع نهم وغرور حب الهيمنة من أقلية ضد الأكثرية ولن يتأتى ذلك الا بانتهاك النسيج اليمني وتمزيقه كما كانت سياسيات الأئمة منذ غابر الأزمان .
وللحديث بقية ....