قال تعالى: (ومِمّن حَولَكم من الأعراب منافقون ومِن أهلِ المدينة مَرَدُوا على النفاق لا تعلمُهم نحن نعلمُهم سنعذبهُم مرّتين ثمّ يُردّون إلى عَذاب عَظيم)" التوبة: 101"، وقال تعالى: (لئِن لمْ ينته المنافقون والذين في قلوبهم مَرضٌ والمرْجِفون في المدينة لنغرِينّك بهم ثمّ لا يُجَاورُونك فيها إلا قلِيلاً" الأحزاب: 60.
أحياناً هؤلاء المنافقون المرجفون المثبِّطون يَقذِفون من مراكز إرجافهم، ومحطات نفاقهم ومن قواعد تواجدهم قذائف طويلة المدى ومدمرة عند الوصول والارتطام، وكأنها تحطم المسطّحات الإسمنتية السميكة في بناء الأخوة والعقيدة بين المؤمنين، وتكاد تخترق جدران الملاجئ العقلية والقلبية لتصل إلى مخابئ الإيمان وأكنان العقيدة ومكنوناتها الحصينة في قلوب الأنبياء والرسل والمؤمنون، لولا أن الإيمان في دواخل قلوب هؤلاء من الصلابة بمكان! ومن القوة والثبات بمكان، لولا أن الإيمان الذي يمكلونه صلب، والعقيدة أصلب، وأساسات المؤمنين المجاهدين المقاومين في أعماق القيادات والجنود متينة فلا تهتز، وعاتية على التأثر بالارتطام فلا تستجيب، وأبيَّة على التشقق والتكسر، فضلاً عن التحطم.
ولولا أنه عقيدة المؤمنين بالله وبكتابهم وبرسولهم أقوى وأكبر مما يتصور هؤلاء المنافقون المغرورون لتشققت وتكسرت واحترقت كل مكونات الإيمان، وتلاشت بفعل قوة الدفع النفاقي، وشدة الحبك والتهديف والتنشين ودقته، لكن الله يخيب ضرباتهم فلا تصيب، وأهدافهم فلا تتحقق، وقوتهم فلا تؤثر في الحق، فالحق يتصدى لها فيدمغها ويزهقها، فترتد ضرباتهم وقذائفهم على مراجفهم ومقاذفهم وتصيبهم بشظاياها القاتلة لتنفجر في محيطهم وفي قلوبهم، وكل ما يصيب أهل الإيمان المبلغون عن الله رسالته، الداعون إلى الله المجاهدون المقاومون في سبيله هو صوتها ودخانها وحصاياها المتطاير وذرات ترابها ورمالها ورمادها، وإن كانت تعمي وتصم في أول وهلة لكنها سرعان ما تنقشع، لتكون قذائق صوتية إرجافية إفزاعية؟! هذا إن حلت قريبة منهم.
فقد وجّه كبار القوم من جماعة النفاق والإرجاف والتخذيل في أيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كامل قوتهم المادية والمعنوية عليهم على الحق وأهله، واستخدموا من لهم سلطان عليهم من خلاياهم وزبانيتهم وأنصارهم بتوقيف الدعم المالي والإنفاق الغذائي والتسليح والبيع والشراء والإمداد الشامل على صحابة محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى ينفض هذا الجيش الصحبوي الإسلامي النوعي عنه ومن حوله، وكي يعود الأفراد المجاهدون المقاتلون المقاومون ويتسللون ويتسربون فلا يبقى مع النبي -صلى الله عليه وسلم أحد، كونهم لا يجدون ما يأكلون، ولا ما يشربون، ولا يجدون ما به يرمون أو يصدون القوم الأعداء، بسبب الحصار الشامل المادي والمعنوي، فينقص المدد والعدد والسلاح فينفض المجاهدون المقاومون ويعودون إلى بيوتهم، بل هناك من سيترك الإسلام وإتباع النبي الرسول الكريم جملة وتفصيلاً كما ظن وخطط المنافقون على مستوى قياداتهم وجنودهم وبحسب نفوذهم في أوساط الناس في المجتمع.
طبعاً هذه قرارات فاصلة، وتوجُّهات خطيرة وكبيرة، ومواقف نهائية ووزنها من العيار الثقيل، تدرس على مستوى القيادات النفاقية بصورة أوامر تنفذ في قواعدهم وتطبق على أعدائهم، قرارات تحاك في غرف المرجفين المخذلين الكبار من أهل الديار، بما يشبه قطع المرتبات، ومنع المخصصات، وتأخير الدعم المادي والتجهيز الحربي عن وقته وزمنه وضرورته، ونسي هؤلاء المنافقون المرجفون المثبطون أن العُدّة والقوة والعزة بيد الله أولا وأخيرا! ونسي هؤلاء المرجفون المخذلون أن العون والمال والدعم والرزق عند الله، وفي خزائن الله يعطيها من يشاء ويمنعها عمن يشاء، قال تعالى: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوت والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون() يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُ منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) " المنافقون: 7-8".
تلك هي قاعدة اقتصادية إلهية جاءت لتدمغ خطة اقتصادية نفاقية فدمغتها وأزهقتها وسحقتها إلى الأبد؟! فإن أمر العزة وتحقيقها في حياة الناس والمبادئ أمر أساسي وأصيل، فما يقاتل المؤمنون أعداءهم إلا من أجل عزة الحق وعزة الدين وانتصار الأوطان، وبعزة الحق تحصل عزتهم وكرامتهم وما يهمهم بعد ذلك نفاذ أموال أو أنفس؟- وما يقاتل محور الشر الحق وأهله إلا من أجل أن يكون للباطل صولة، وللشر جولة في هذه الحياة، وهيهات هيهات أن يتحقق لهم ذلك..
أستاذ مشارك- كلية الآداب- جامعة تعز
◀ يتبع 4