تقف اليمن على مشارف التاريخ، تطل منه حزينة تندب حظها وتشكو عقوق البعض من أبنائها تجار الحروب ممسوخي الهوى مشروخي الهوية، تناجيهم أرواح ضحايا الحروب ماذا جنيتم بعد رحيلنا أيها الحمقى غير البؤس وحطام الدنيا التي ستركُلكم إلى دنيانا ولو بعد حين، قلوب صخرية تحملون وعقول وحشية بها تفكرون قتلتنا وستقتلكم وشرَّدت فلذات أكبادنا وستفتح عليكم ألف باب في الجحيم.
تحللت عقولكم وتدنت إنسانيتكم إلى ما دون حيوانية الحيوان الذي لديه الشهوة للانقضاض ولا يملك العقل الذي أكرمكم الله به فاستخدمتم السلاح بطيشِ المراهق ونزق الانتهازيين كمجرمين وقادة حرب وجنون، وأشعلتم حرباً صنعت في نفوسنا ما لم تصنعه الكوارث الطبيعية الكونية قاطبة لأنها من صنع الإنسان وبيده أما الطبيعية فمن الله وآثارها ليست بفعل إنسان أو حصاد جهده وتفكيره.
رسمت الحرب خرائط المتحاربين في بلدنا بدمائنا بوحشية وغياب كاملٍ للعقل والضمير وبالأخص الحروب الأهلية بين أبناء البلد والديانة والعرق والهوية الواحدة، وهي في كل أحوالها وبمختلف صورها وتجلياتها خطيئة بشرية سوداوية اللون موحشة المعالم.
وأشعلتم حرباً وأنتم تعلمون أن لها آثاراً سلبية عميقة الجراح واسعة المدى تسكن في القلب وتتعدى حدود الذاكرة وتأبى مغادرتها إلا بعد زمن بعيد، إذا مُحيت آثارها وعُمِّر ما هدَّمته من وجدانيات وأعيد ما أحدثته من خراب المشاعر والإحساس بالحب والطمأنينة والأمان.
وتأتي الحرب على حياة الإنسان عيشه ومعاشه، تُقيد خياله الجامح وتكبل إبداعاته الفنية والأدبية العلمية والعملية تصنع من الإنسان كتلة بشرية هلامية التفكير مرتعشة السيقان مهزوزة الإيمان وتشنق في حبائلها كل من عارضها ووقف في طريقها ولا تستثني أحداً مسالماً كان أو محارباً أو محايداً لأنها كما قال أحد خبرائها محصلة كبرى للدمع والدم والأشلاء.
تدعُ الناس حيارى يجهلون قادم أيامهم وما تحمله في طياتها من أحزان وسفر إلى المجهول وموت زعاف وقبور موحشة تصنع سحائب الحزن في كل سهلٍ وعلى كل تل وجبل، ولو كتب عليها عبارة الشهادة واسم الشهيد أو الراحل أو الفقيد كلها دلالات لا نهاية لها وحشة الفراق البعيد الذي لا يملك خطوطاً للعودة أو وسائلاً للاتصال.
والأمَر من الحرب الحروب النفسية التي تسبقها وترافقها لأنه ليس لها حدود ولا تتقيد بزمن أو مكان ولأنها أعم وأشمل من الحروب المادية تكتيكية محدودة كانت أو موجهة وإستراتجية أو شاملة فتأتي بدورها على العقول وتستهدف تدمير العقول وتشويه المفاهيم وتقتحم القيم لتثنيها وتفصلها وفقاً لخططها وأهدافها بصرف النظر عن نوع السلاح المستخدم أو طرق تنفيذها على أرض المعارك الأمر الذي جعل المختصين في ميدان علمي النفس والاجتماع يختلفون بشأن معالجة آثارها وإنقاذ أصحابها... وأخيراً.
رفعتُ يدي صوب السماء *** دعيت وأجريت دمع الرجاء
بأن يحفظ الله كل بلادي *** وروحي لها وقلبي فداء