كان صالح يتحكم بكل أوراق اللعبة في اليمن، فقد نال من المعارضة وأصابها بفقدان الأمل واستنسخ منظمات المجتمع المدني ووصلت يده ويد أقربائه إلى المؤسسات الاقتصادية والمالية في البلد بعد أن أحكم القبضة على الجيش والأمن.
باغتته ثورة الشباب في 2011 وأزاحته عن الحكم ومنحته حصانة كرماً منها، فاحتال عليها وعلى أحلام اليمنيين. لم يتبق من عزيمته إلا الحقد والانتقام. ولهذا ساند أعداء الأمس الحوثيين الذي خاض ضدهم حروبا عبثية ومكّنهم في انقلاب غير نمطي قضم الدولة اليمنية رويداً رويدًا.
في الأربعة الأشهر الأولى من الانقلاب كانت المقاومات المتفرقة في عدن وتعز مأرب وأب والضالع قد أفشلت الانقلاب ووضعت حداً له، وعرّت شرعيته وضاعف من همجية الانقلاب عدوانه الغاشم على عدن وتدميرها بحق واضح. ومع تشكيل التحالف العربي فقد أصيبت ماكينة صالح العسكرية الضاربة بشلل حقيقي وبدأ في مارس 2015 العد التنازلي للانقلاب.
لن يعترف الصحفي نبيل الصوفي المقرب من صالح بفشل الانقلاب. وسيروّج نسخته الخاصة من "الصمود والتحدي"، متجاهلاً أن الحكومة الشرعية قد استعادت معظم الأراضي وأنها سحبت البنك المركزي من سلطة الانقلابيين وتنشئ جيشاً وطنيا يدين للجمهورية بالولاء.
لن يلتفت صحفيو ومروجو الانقلاب إلى تهتك النسيج الاجتماعي اليمني على يد الانقلابيين ولا إلى الفاتورة الدموية باهظة الثمن نتيجة لهذه المغامرة الفادحة بحق الجمهورية وقيمها وحق أحلام شباب ٢٠١١، وقد يعود السبب في هذه المهادنة وتشويه الحقائق يعود إلى أن معظم ساكني صنعاء هم رهائن حقيقيون في قبضة الحوثي.
أقر صالح بعد فترة بتحالفه مع الحوثيين وهو يوهم نفسه انه يفشي سرا خطيرا ودخل معهم في تكتلات سياسية كانت بوابة التهامهم له سياسياً لا أكثر، ومع تشكيل حكومة انقلابية الا أن فريق صالح هو الخاسر فيها ولم يمكّن من شيء.
يدرك أنصار صالح أنهم يمرون بأصعب أيامهم وأن "زعيمهم" أعجز عن الدفاع عنهم أمام عجرفة الحوثيين، لم ينجح الانقلاب إلا في اثخان جراح اليمنيين. وهذا أمر مفروغ منه. والانقلاب في موت إكلينيكي يتغذى من "زوامل" الوهم ويعتاش على مجاعة وتجويع اليمنيين ويسترزق من مصائبهم وما يلحق بهم من أضرار جانبية ومصائب الحرب التي استجلبت ماكينة عسكرية متفوقة نوعيا وتضرب ولا ترحم.
وبعد أكثر من عامين ما يزال في المجتمع الدولي من يروّج أن صالح هو الملاذ الأخير. دبلوماسيات عريقة تسمح لنفسها بهذا التصور. وتحاول ترويج صالح وبنيه كحلٍ شاملٍ وأنسب شريك لمكافحة الإرهاب، لعلها فريسة تضليل أو أنها لم تحدّث معلوماتها حول صالح.
صالح وأقرباؤه يخضعون لعقوبات دولية وملزمون بوقف عبثهم في مستقبل اليمنيين وفقاً لقرارات مجلس الأمن، في الوقت الحاضر، أنصار صالح يهانون تباعاً ويعجز عن الدفاع عنهم. والحوثيون يديرون مشاورات على هواهم دون الرجوع إليه كشريك مكنهم مما لا كانوا يحلمون به. لقد باع لهم الجمهورية/عدوهم بلا مقابل سوى أحقاده ورغبته في الانتقام. وسوف يبيعونه بين لحظة اخرى إذا وجدوا ثمناً مناسباً.
لم يعد صالح الرجل الأقوى في اليمن. لقد فقد رجاله الخلّص من حوله وطالت نيران طيران التحالف من عتاده الذي كان ثمنه قوت اليمنيين، ها هم الحوثيون يلوون حبل شنقه حول رقبته قليلاً قليلاً. وليست حكومة "الإنقاذ " إلا محاولة بائسة منه من أجل لم شتات أنصاره وطمأنتهم ولكن بلا جدوى.
صالح من الماضي وإذا كان الانقلاب قد فشل، فعلى الشرعية أن تنجح في تجاوز وإصلاح الخراب الذي تركه رجل الخراب هذا طيلة عقود أربعة. مهمة ليست هيّنة بلا شك خصوصاً في الجنوب.