قال تعالى:[ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ]" عمران:154"، وقال تعالى:
[وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا] [وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا]" الأحزاب: 12، 15".
رابعاً: [يُقلِّبونَ لكَ الأمُور]
وهذه طائفة تعكس الحقائق والوقائع والأحداث، وتقلب الأمور، حيث يصرِّح أهلها بخلاف ما يأتيهم من واقع المعارك ووقائعها، فيجعلون المجاهد الناصح مخادعاً، والمقاتل المنافق مخلصاً، أي فشل وقعوا فيه أو حصل من جهتهم تجدهم لا يطيقونه، ولا يستصيغونه، ولا يقدرون على تحمله، فيلصقونه بمجاهدين ومقاومين غيرهم في الساحة والمعركة، ربما يكون هؤلاء الأخيرون قد حالفهم النجاح والانتصار والثبات لإخلاصهم ولوطنيتهم ولإيمانهم بقضيتهم، ولهم عند الله شهداء وجرحى، ولهم المحبة والذكر الحسن عند الناس لشجاعتهم وإخلاصهم وإقدامهم، ولأن جهادهم مرتب، ومقاومتهم منظمة، وقتالهم مخطط له ومدروس، لكن المرجفين المخذلين في ساحات المعارك يقلبون الأشياء والأمور على الناس والرأي العام وعلى القادة والأسياد، ففشلهم نجاح وإن كان في الحقيقة فشل وهزيمة، ونجاح غيرهم فشل وإنك في الحقيقة انتصار، هزيمتهم في ثغورهم انتصار، وانتصار غيرهم في ثغورهم هزيمة، يودون أن كل انتصار يسجل لهم، وأن كل هزيمة تلصق بغيرهم وكذلك الخسائر، هذا إذا شاركوا يوما من الأيام في ميدان المعركة وجها لوجه. فهم يمتلكون بدائل وحيل ووسائل تثبيط، وتصريحات إرجاف، وكتابات تخذيل، وهم على استعداد لتقليب الكلام والمواقف والأمور كلها كما يشاءون هم لا كما يشاء الحق والواقع وتشاء الحقيقة.
هؤلاء لهم أهداف وأغراض ومقاصد وأمور يخدمونها، وهمم يخدمون أسيادهم هنا وهناك، يقتنصون الأخطاء والهنات والونات ويكبرونها بأحجام خيالية، ويصغرون النجاحات والانتصارات ويغيّبونها حتى لا تكاد تسمع أو ترى، يبتغون بالتنازع والدسائس وتقليب الأمور فتنة الناس قبل إعلان الحرب، وعند بدء سريان المعارك، أو خوض المعركة، والحق أن الله لهم في المرصاد، والواقع هو فاضحهم وكاشف إرجافهم وتثبيطهم وإرباكهم وتخذيلهم للمجاهدين المخلصين، وإن كانوا يكرهون مواجهتهم بذلك وينكرون [لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون]" التوبة:48".
أتباع هذا الطابور يعكسون الحقائق، وينسبون لهم الانتصارات ولغيرهم الهزائم، يتكلمون عن بطولاتهم ومناقبهم ويمدحون أنفسهم فوق اللازم، كل ذلك على حساب الآخرين، يجعلون إخفاقاتهم نجاحات ومنجزات، ويجعلون نجاحات ومنجزات المقاومين والمجاهدين خسائر وإخفاقات.. ليس لهم من غاية يقصدونها إلا زرع الفتنة والشقاق في الصف الإسلامي، في اللحمة الوطنية المخلصة في كتائب الحق والمقاومة، وفي الوقت الذي يتحقق النصر الذي كانوا يتوقعون أمره هزيمة لا محالة ترى في أعينهم الحزن وعلى وجوههم الكآبة والخسارة، وفي أفواههم حركات الندامة وذلك مما يكرهون ويبغضون، فلم تنفعهم تعكيس القضايا وتقليب الأشياء وتنكيس الأمور، فما يقصم ظهورهم مثل ظهور الحق وانتصار أهله وكسر شوكة المنافقين.. [لقدْ ابتغُوا الفتنة من قبْل وقلّبوا لك الأمُور].
وبما أن هذا الطابور متسع ومتشعب ومتفرع وزبانيته كثر فقد يكونوا في العمليات الحربية المباشرة، وقد يكونوا في العمليات الحربية اللوجستية، وقد يكونوا في الجانب السياسي والإعلامي، وقد يكونوا في المحايدين والصامتين وفي الجهات الرسمية وفي الجهات الشعبية، أو في الأحزاب السياسية، فضلاً عن مرابضهم ومزاربهم في أحضان الأعداء البغاة، فتكون مهنة هؤلاء هي بث الإرجاف والتخذيل وإحداث الإعاقات، وصناعة الإرباكات، من حيث تقليب الوقائع والحقائق على الصف المتعاضد المتماسك المتعاون رأساً على عقب لصالح الأعداء في القتال والسياسة والإعلام والدعم المادي والمعنوي على سواء، ولولا إخلاص أهل الحق في الدفاع عن حقهم الشرعي والديني والوطني والأخلاقي وصمودهم وتضحياتهم لنجح هذا الطابور أيما نجاح في عكسهم للحقيقة وفي تزويرهم للواقع، ولكن الله يتولى أمرهم في كل زمان ومكان وعلى كل حال.
أستاذ مشارك- كلية الآداب- جامعة تعز
◀يتبع9