قال تعالى: [وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ()لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ] التوبة: 46-47".
ذلك هو موقف المنافقين الأقرب إلى المجاهدين والمقاومين شبه المشتركين في المعركة، يقتنصون الانتصارات ويسرقون المنجزات وإن كانت الهزائم تبرأوا منها وبرروا لأنفسهم وفرحوا في قلوبهم، أما طابور النفاق الأبعد غير المشترك في المعركة أو هو مشترك، لكنه الاشتراك السياسي واللوجستي، ومنه الداخلي والإقليمي والعالمي هؤلاء يحدثون صخب إعلامي منقطع النظير حول طبيعة الانتصارات التي تحققت أو التي فاجأتهم تفاجأوا بها هنا أو هناك، ويبدءوا بالتساؤلات التفصيلية عنها، من يقف خلفها؟ وكيف حدثت؟ ولماذا؟ وتبدأ الاجتماعات المغلقة والمفتوحة، والحركة السياسية الدءوبة والدبلوماسية المكثفة، كي يتم وقف أي تقدم أو انتصار وتوضع الخطوط الحمراء والصفراء والزرقاء والخضراء، وتكون التهدئات والهدنات والدعوة إلى بدء الحوارات وتفرَّغ الانتصارات من مضمونها لصالح الطرف العدو، خصوصاً إذا كان هذا العدو الباغي له أذناب وأبعاد.
إذا تم الانتصار والتحرير ساءهم الوضع أيما إساءة وجنحوا إلى التبرير والتغرير! وإذا كانت الهزيمة والانكسار ولو جزئياً فرحوا بها فرحاً تظهر عليهم علاماته ونسماته وتباشيره من حيث لا يشعرون، وهناك يُقدِّمون نصائحهم، ويُفصِحون عن احتياطاتهم الاستباقية وأنهم كانوا على حق ويفتخرون، وأنهم قد حذّروا من قبل، والآيات القرآنية في هذا كثيرة، ومما سجَّله في هذا قوله تعالى:[إنْ تصِبْك حَسَنة تسُؤهُم وإنْ تصِبْك مُصِيبة يقُولوا قدْ أخَذنا أمْرنا من قبل ويَتولّوا وَهُم فَرِحُون]" التوبة: 50".
الاختلاف والتذبذب والتقلب في المواقف والأقوال والالتزامات والاتفاقات سمة لهذا الصنف من الناس، بمعنى عدم الوقوف على كلمة واحدة، أو اتخاذ الرأي الأخير والقرار النهائي. عدم الوفاء بما عاهدوا غيرهم فسرعان ما يغيرون ويبدلون فيما يتفقون، فينقضون المواثيق والعهود والاتفاقيات بسبب أنهم لا يستقلّون برأي ولا فكرة، فلهم أسيادهم ومرجعياتهم فيقلُّبون لك الأمور كما يشاءون، وليس لهم إلا الوقوف بحسم وعزم ومواجهتهم بالحقيقة عند الضرورة وهو أسلوب القرآن معهم [لقدْ ابتغَوا الفِتنة مِنْ قبْل وقلّبوا لكَ الأمُور حتّى جَاء الحقّ وظهرَ أمْرُ اللّهِ وهُم كَارِهُون]" التوبة: 48".
فأي جهاد أو مقاومة أو انتصار تنتظره الأمة وهذا الطابور بين صفوفها، لولا أن الله يتدارك عباده المؤمنين المجاهدين المقاومين بنعمة من عنده فينصرهم ويثبتهم ويجري على أيديهم المفاجآت، ويثبط المثبطين، ويخذل المخذلين، ويرجف قلوب المرجفين ويربك تخطيط المربكين، ويزيد هذا الطابور النفاقي هزائم ونكسات وحسرات وخبالات؟ .
أستاذ مشارك- كلية الآداب- جامعة تعز