ثرنا ثورة حق، وقدمنا التضحيات دماءً وأرواحاً، ثورة لنغير من واقعنا الآسي، ثورة تعبر عن آمال وطموحات البسطاء والمضطهدين أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير، أحلامنا طموحاتنا نصارع الزمن لنخلق واقعاً يلبيها، لا نقبل أن نعيش جامدين مستسلمين لواقع مزري يجدد جلده من حين لآخر، يبعدنا عن الأحلام والطموحات ونفيق بواقع لم يتغير بأدواته وقاذوراته وماسية وآهاته، نسرق وننهب ونحرم حتى من أحلامنا، ممزقين بيننا لصوص الزمن، أعداء النهوض والتطور، أعداء الإنسانية.. هذا لا يعني عدم وجود الأخيار والوطنيين والشرفاء بل بمعناه الشعور بضعفهم وتغيبهم عن المشهد، هناك إعاقة واضحة للمولود المنتظر الحلم القديم الجديد ليخلق معاقاً مشوهاً غير قادر على إنهاض وتطور أمة ومحاربة فسادهم وطغيانهم وجبروتهم ونفضهم من على كاهلنا.
نقبل كل شيء إلا الخذلان والانكسار والفشل، كم هي مأساة عندما تجد الكل يشكو ويبكي!، وخاصة المظلومين في السابق هم ذاتهم المظلومون اليوم، الواقع يتغير لصالح قوى النفوذ والفساد والاستبداد، نتخلص من فئة لتستلمنا فئة أخرى، من طاغية فاسد لطاغية أكثر فساداً.
اليوم في الشارع العام أوقفني صديق دراسة يشكو ويحدثني بألم وقهر، كأنه يقول لماذا ثرنا؟ ونحن لم نتغير، لماذا ثرنا؟ ولا زلنا نمارس نفس السلوكيات السيئة لازال الفساد يعكر صفوتنا، لازال الظلم ظلماً والقهر قهراً، وأضاف: يا أخي اشتريت سيارة وبدأت بالمعاملة لتسجيلها في المرور وترقيمها، واصطدمت بالواقع الفاسد هو ذاته مع زيادة في غياب القانون والنظام والضمير، لازالت أياديهم هابطة، وثقافتهم فاسدة، لم تتغير الأفكار والثقافة والسلوك، لم ننهض بل نحن في أسوأ مما كنا عليه، الرشوة هي التي تسهل إجراءاتك، وتصطدم بعراقيل والمرتشي الذي يستغلك، في المرور وفي الغرفة التجارية، ولدي الوثائق (وأخرج ملفاً ليشير لي عن تلك الإجراءات)، ويواصل هذا الضمان التجاري رفض في الغرفة التجاري، وأمام الباب تجد من يستغلك هات ولك ضمانة معمدة من الغرفة، وهكذا في المرور هات ولك إجراءات كاملة، القضية قضية أخلاقية وإنسانية ووطنية، لا ننظر لها بهذه البساطة، لإنجاز معاملة، القضية هي إيمان ومبدأ وقيم، ثرنا لأجل إعلائها، هل فشلنا في ذلك؟ ولم نكن عند مستوى التحدي والآمال والطموحات التي ثرنا من أجلها؟ القضية هل نستحق نحن كأمة حياة أفضل، ولم نتمكن من النجاة، ولازلنا غارقين في وحل الفساد والابتزاز والماضي بكل ماسية وسلبياته .
المشهد اليوم يقلق أحلامنا تتعثر، منقسمون كلً يحمل انتماء ومشروعاً، نعيش حالة من التضاد، الاختلاف هو السائد والتوافق هو الغائب حتى في مشروع وطن ودولة ضامنة للحريات والعدالة والمواطنة، كلام نردده شعارات لا نتلمسه سلوك ولا ثقافة، للأسف التعنت في مشاريع صغيرة غير جمعية طائفية كانت أو مناطقية، مشاريع ضاع في دهاليزها الهم الوطني ومشروع الدولة والحب والإنسانية والقيم والمبادئ النبيلة والحلم والطموح، وهي نتيجة طبيعية لمشاريع تفرغ الإنسان من إنسانيته.
ثرنا على الزعامات لأجل قيم ومبادئ وأحلام وطموحات، مشروعنا هي الدولة الضامنة للحريات والمواطنة والعدل،لننتقل لمصاف الدولة المتقدمة لنكون بشرا كسائر الأمم، إذاً أين نقف اليوم من التغيير، الذات والعام! هل تحمل كل منا مسئوليته الوطنية، ويقف موقفاً شجاعاً و وطنياً رافضاً للفساد والابتزاز مصرا على التغيير نحو واقع أفضل، أم أحلامنا تتهاوى أمام أعيننا ونحن مستسلمون وراضخون للواقع الذي يفرض علينا؟ بمعناه فشلنا في تغيير الواقع والذات والعام، لم نخطو خطوة صحيحة للأمام بل خطواتنا للخلف أو تراوح محلها بؤس وخذلان وفشل، بعيدين عن التغيير الحقيقي للواقع الآسي.