في مثل هذا اليوم من العام الماضي نشرت مقالة بعنوان (اليمنيون يودعون عاماً من المآسي) كتبت تلك السطور في ذروة الحرب وكان الرأي العام وأنا منهم على يقين بأن الحرب – التي أوشكت أن تكمل عامها الأول- هي في مراحلها الأخيرة وبأن الأسابيع القادمة حتماً ستطوى صفحة الحوثي، ومعلوم في الحروب الإقليمية والبؤر الساخنة التي أفرزتها ثورات الربيع العربي بأن ما هو ممكن اليوم قد يكون صعباً في الغد بل وربما قد يكون مستحيلاً في الأيام المقبلة، فالقضية اليمنية كالسورية وسواهما غدت ذات أبعاد إقليمية ودخلت لعبة الأمم والتجاذبات وما أطراف الصراع إلا إيقونات لهذه القوى المتناحرة التي جعلت من الصراع الإقليمي حربا بالوكالة.
ومعلوم- من خلال مسيرة هذه الحركة الميليشاوية- بأن نهج الحرب المستمر لازمتها منذ نشأتها في السنوات الماضية، ومنذ عامين وثلاثة أشهر لم يكن يخطر ببال أحد منا ما ستؤول إليه الأحداث فهاهي عامان ويزيد منذ اغتصاب السلطة في اليوم المشئوم 21 سبتمبر من العام 2014م أفضى لسلسلة متلاحقة من الأحداث المفجعة والمأساوية حرب مدمرة وإسقاط مدن أنتج تدخلاً إقليمياً والذي هو تحصيل حاصل ونتيجة وليس سبباً نتج عنه آلاف القتلى والجرحى وتشريد ما يقارب المليونين يمني وأكثر من مليون خسروا أعمالهم يعولون ما يقارب خمس السكان، واختطاف آلاف من معارضيهم ومن الإعلاميين وأرباب الكلمة والحرف، بل والأدهى من ذلك هو إقحام واستقطاب العامل الخارجي في أتون الصراع اليمني، فغدت تلك القوى الإقليمية طرفاً في الحرب وبالتالي غدا القرار والسيادة اليمنية هي الأخرى مرهونة للخارج وتحولت القضية اليمنية ليس فقط هماً محلياً بل وأمناً قومياً إقليمياً وباختصار انقلاب الحوثي فتح أبواب جهنم على اليمنيين. ولكن مآل كل هذه المآسي أن تتوارى أمام إرادة الشعب اليمني ولن يصح إلا الصحيح وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وعلى خلفية توقعات بجولة خامسة من المباحثات العقيمة في سلسلة "مارثون المفاوضات" التي يتوقع أن يسبقها "هدنة" غدت مثار سخرية وتندر من كل الأطراف المتصارعة فلم يعد يدرك المتابع والراصد من يضحك على من؟
سيظلون يراوحون بنية اكتساب وقت علهم يحظون بيأس دبلوماسي ولكن في نهاية الأمر مآل أي تفاوض هو الجنوح للسلام ولم يبق لهم سوى المربع السياسي وفق شروط الدستور اليمني ومرجعيات التفاوض المبادرة الخليجية والحوار السياسي وقرار مجلس الأمن 2216، ولن يكون مشاركة سياسية مستقبلية إلا بحجمهم الطبيعي.
بعدما فشل انقلاب الحوثي من السيطرة إلا على ربع مساحة اليمن وبعد أن خسر أخلاقياً لم يبق له سوى المربع السياسي وفق شروط الدستور اليمني ومرجعيات التفاوض المبادرة الخليجية والحوار السياسي وقرار مجلس الأمن 2216، ولن يكون مشاركة سياسية مستقبلية إلا بحجمهم الطبيعي.
وبداهة ووفق هذه المعطيات فإنه لا يعقل أن يتصور أحد أنهم سيضحون بكل مكاسبهم وفق هذه المسوغات فتجارب الفترة الانتقالية غداة اندلاع ثورة الربيع العربي في نسخته اليمنية، أثبتت تجارب تعامل الطيف السياسي اليمني مع هذه الحركة أن ينقضوا على كل اتفاق يبرمونه مع الآخرين ويعودون أقوى مما كان عليه حالهم من قبل، وهذا يغريهم كثيراً وأسلوب تمرسوا عليه وصار تكتيكاً عندهم منذ أن نشأت هذه الحركة وظهرت على الأرض. وبالتالي من الاستحالة بمكان أن يحفظوا وداً أو يلتزموا بعهد، وتاريخهم مليء بتلك التناقضات. فعلى سبيل المثال فإن اتفاق السلم والشراكة الذي أبرم غداة سقوط صنعاء على أسنة الرماح وصاغوا بنودها بأنفسهم وفرضوها بالاستقواء بالغلبة وعلى مسمع ومرأى بل ومباركة من مبعوث الأمم المتحدة السابق في اليمن ورضاء على مضض بالقوى السياسية التي غدت مجرد “كمبارس″ ومحلل ليس إلا!
وقس على ذلك في حال اتفاق مستقبلي على مبادئ معينة ستصدم بالتفاصيل الحقيقة على الأرض وهم لا زالوا متخندقين بأسلحتهم ومن هنا فلا يلدغ اليمنيين من جحر مرتين ومن هنا وفي حال سير هذا السيناريو وفق مشيئة ومخطط الحوثيين سيكون بداهة من تجربة 2011 فهو لن يعطيهم فقط عفو عام وعدم محاسبة من تسبب بالحروب المختلفة والانقلاب وانهيار الدولة ونهب مؤسساتها وأموالها.
هذه الجماعة المارقة لها أجندات متقلبة برغماتية وتعتمد على التقية والمراوغة والتدليس في أطروحتها فعلى سبيل المثال عندما قصفوا عدن، مستهدفين الرئيس الشرعي كان قبل عاصفة الحزم وكان شعارهم الوحدة أو الموت، بمعنى أن ذريعة مفردة العدوان ما هي إلا حق أريد به باطل، ولكن ما أن خسروا عدن وكل الجنوب تشبثوا بتعز وها هي صامدة تلقنهم دروساً قاسية في الشجاعة واليوم تتوارد أنباء باحتمالية المطالبة بإقليم جغرافي من سمارة إلى صعدة بلون طائفي متناغم وهذا لن يتم لأن إقليم أزال ليس حوثي فهم أقلية داخل أقلية زيدية ثم ان دول الإقليم لن تقبل بجماعة الحوثي في خاصرتها وهذا طبيعي فوجود هذا المكون سيكون دولة داخل دولة كتجربة حزب الله في لبنان، إجمالاً كل بلدان الصراع وبؤر التوتر في المنطقة لإيران يد فيها.. وإجمالاً مآل هذه ميليشيا الحوثي الإرهابية هو التواري والاندثار كالفقاعة فكم صعدوا بوتيرة متسارعة سيكون الانكفاء ويصبحون هملاً في زوايا التاريخ.
وما يستطيع طرفي الانقلاب عمله سوا إطالة أمد المعاناة لأنهم ضد حركة التاريخ والجغرافيا والمنطق عامين ونصف البداية الفعلية لوأد حلم اليمنيين بالدولة اليمنية وإجهاض الفترة الانتقالية من اجل رئيس من بعدي اسمه احمد فكانت النتيجة هي استيلاء الحوثيين على كل شيء تقريباً.
فصالح يعتقد بأن حزيه يضم خبرات وتكنوقراط، وهم في واقع الحال لصوص ومرتزقة ليس إلا، ولازال قطاعات من الجيش بيده رغم أنه قد سلب معظمه وأنصار الله من وجهة نظرهم يعتقدون بأن مرحلة مؤقتة وهكذا الكل يضحك على الكل والضحية الشعب الذي غدا حقل تجارب لحماقات صالح وحلفائه الجدد.
نأمل أن يكون إطلالة العام الجديد تحمل معها بداية انفراجة لهذه الحرب والتي لن يكسب منها أي طرف والجميع لا مُحالة خاسر وسيفوق الشعب اليمني يوماً بعد أن تضع الحرب وزراها على وطن مدمّر وبنية اجتماعية متفرقة الأهواء فقد غدا الجميع يكره الجميع للأسف، فخراب العمران أهو من خرب الإنسان..