بعد أن تربع على عرش الشاه، لم ينظر الخميني إلى النعم التي اجتمعت بين يديه، فقد أصبح الرجل الأول في بلاد رزقها الله الخيرات، أرض خصبة تنتج الحبوب والفواكه والخضراوات، ومراعٍ لا تعد ولا تحصى، وأربعة فصول تتوزع على الأرض الشاسعة طوال فترات السنة، وثلاثة بحار تحيط ببلاده، ونفط وغاز وأنهار، وصناعة متقدمة، وتجارة تاريخية مشهود لها.
ثروات تجعل الشعب الإيراني في بحبوحة من العيش، فقط كان بحاجة إلى عدالة في اقتسام الرزق، ورعاية لكل شعبه دون تمييز أو انحياز. ولكنه لم يفعل ذلك، تلبسه الطمع، وسيطر عليه الكبر، فنظر إلى البعيد وبدأ بأرض العراق، رغبة في السيطرة على النجف وكربلاء لما لهما من رمزية ومكانة، ولارتباطهما الروحي بطائفة كبيرة من المسلمين، فاختار أن يكون زعيماً للطائفة أو المذهب بدلاً من أن يكون قائداً لوطنه، فهو يعلم ماذا تعني أرض كربلاء، والدور الذي يمثله النجف، فقد عاش هناك سنوات طوال بعد أن طرده الشاه من بلاده، فطمع في الزعامة الشيعية، والتي لن تتحقق إلا بالسيطرة على أرض المرجعية، فافتعل الخلافات مع العراق. ظن أن العراق سيفتح له الطريق إلى الهدف الأكبر.
كان الخميني يريد زعامة المسلمين، وجيّش الجيوش، وأطلق أبواق الدعاية العنصرية، وقبل أن يكمل عامه الثاني في الحكم كانت الحرب الإيرانية العراقية قد اشتعلت، فأغرق المنطقة كلها في أزمة، وأعاد بلاده إلى عصور الظلام، بعد أن صفّى القيادات السياسية، مجموعة تلو مجموعة، ورمزاً بعد رمز، وسيطر الذين يؤمنون بفكره على مقدرات بلاد كانت تظن أنها تخلصت من أحلام وأوهام بهلوي التوسعية.
كان هدف الخميني الأول إخضاع العراق، ولم يتحقق له ذلك حتى مماته، رغم كل ما فعله في ثماني سنوات من الحرب، وكل تحالفاته المعلنة والسرية، وهو القائل بأنه سيمد يده إلى الشيطان مقابل إسقاط حكم صدام حسين والبعث في العراق.
ومناسبة ذلك القول انكشاف صفقة السلاح السرية مع إسرائيل في القضية التي عرفت باسم «إيران كونترا جيت»، وكان العراق عصياً عليه، وكانت غالبية العرب تصطف إلى جانب العراق في تلك المرحلة، فالأهداف الخمينية لم تكن خافية على أحد، فهذا الطامع أراد العراق ممراً إلى ما بعده، إلى أرض أكثر ارتباطاً بالمسلمين، ومن يحكمها يكتسب مكانة لا تضاهى، ولم يتحقق له ذلك. رحل الخميني ولكنّ فكره بقي قائماً بين أتباعه، ومازال الأتباع يحاولون تحقيق أحلامه!
* البيان
محمد يوسف
أوهام خمينية 957