لا جدال في حق الموظفين والعمال في الدفاع عن مكاسبهم وامتيازاتهم ومختلف حقوقهم٬ ومستحقاتهم، والحقوق التي كفلها لهم القانون في المطالبة بحقهم الإضراب كوسيلة لانتزاع هذا الحق٬ لكن ما العمل حين تصطدم المطالبة بهذه الحقوق مع حقوق طبقات وشرائح أخرى من المجتمع؟ بل مع المجتمع بكامله؟ ما العمل حين تصبح المطالبة بهذه الحقوق مجرد تعطيل لمصالح المواطنين وإضرار متعمد بهم؟ ما العمل حين تعطي هذه الإضرابات ذريعة لمن يريد أن يعبث بأمن هذا البلد واستقراره؟ هنا إذاً يقع نوع من الاصطدام بين حق وحق٬ حق الموظف في المطالبة بحقه من خلال الإضراب٬ وحق المواطن في الاستفادة من المرافق العامة والخدمات المكفولة له أيضا بكل القوانين والدستور، وحق الحياة الكريمة، وسبل العيش الممكنة، عندما يتحول حقك، لمشكلة تمس حقوق الآخرين، عليك أن تختار، بين أن تكون ظالما أو مظلوما.
هذا ينطبق على إضراب عمال مصافي عدن، ووقف تزويدهم للمشتقات النفطية لمحطات توليد الكهرباء، وتضررت عدن كمدينة وسكانها، من هذا الإضراب، هل كان هذا الإضراب مدروسا بحيث أن يكون لا ضرر ولا إضرار؟، أم لا يهم معنييه بأضراره على الآخرين، ونتائجه الكارثية، وعليهم اليوم أن يتحملون تبعات مواقفهم واختيارهم، في تقييم إضرابهم هذا، كم ضحاياه من المرضى، وما سببه إضرابهم من جروح وظلم واسى، قرارا ادخل المدينة في حالة من الانهيار، وسقط من سقط خائرا جثة هامدة، وأصيب من أصيب، بحالة مرضية، وحالة نفسية، وانقطع شريان الحياة المياه، وطفح المجاري أدى إلى كارثة وبائيه، هذه مجرد ملاحظات عابرة، لكن التقييم الحقيقي للإضراب، سيكشف كثيرا من الوقائع التي حدثت باعتبارها جرائم بحق الإنسانية وعدن.
تسقط حريتك عندما تمس حرية الآخرين، وجرما انتزاع حق على حساب حقوق الآخرين، وسيادة وطن يمر في مرحلة حرب قائمة، واستعادة دولة مصادرة ومنهارة ومؤسسات دمرت ونهبت وصارت خاوية على عروشها، الزمن والواقع واللحظة، تحتاج لدراسة عميقة في أي موقف يتخذ اليوم، حتى لا يكون سبباً في استفحال الأمور وتطور المشكلات وازدياد في الأزمات، وهذا ما سببه إضرابهم، ومن حق الناس اليوم تطالب بتحقيق شفاف وعادل فيما جرى، ومن المتسبب؟ وما المعنى المخفي من ذلك؟، وفق الشرع والنظام والقانون الإلهي والإنساني المقدس والوضعي.
لا يخفى على أحد منا عن المصافي كوكر للفساد منذ عهد الطاغية المخلوع، كان حكراً على المقربين وذوي القربى والمحسوبين عليه، وكانت لهم امتيازات، أثقلت كاهل موازنة الدولة والمرفق، رواتب الموظف في المصافي تعادل عشرة أضعاف موظف الدولة، خرقاً للعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، والتوزيع العادل للثروة، وهذه الأعباء جعلت المصافي غير قادر على مواجهة أزماته في الحروب والكوارث، حالة تحتاج لمراجعة ودراسة، لإرساء العدل والمساواة بين الناس في المعاش والراتب، لتضيق فجوة الفوارق بين الطبقات، فاستفادت فئة على حساب فئات أخرى، خاصة ونحن في إرساء دولة العدالة والمساواة، وها هم إخواننا وحكامنا الجدد، على عهد المخلوع سائرون، والوثيقة التي كشفت أسماء المتعاقدين الجدد من الأبناء والأهل والأقارب والمنطقة، إن كانت صحيحة، ولم يرد عليها القائمون ليبرهنوا عكس ما تثبته الوثائق المسربة، والله إنها جريمة بحق هذه المدينة المخدوعة بهم، يتوارثها الفساد والفاسدون، وللأسف يجدون من يبرر ويدافع من المنافقين، أقول ذلك من قلب مجروح ونفس مكسورة، وكل عدن مثلي مستاءة، ومصدومة من هذا الموقف، فالمصافي عدن وعدن المصافي، والله المستعان، وادعوا الصلاح للعباد لتصلح البلاد.
أحمد ناصر حميدان
إضراب للمصافي قهر عدن 1309