ما أجمل الصور التحررية التي نشاهدها اليوم، على أرضنا الطيبة المغتصبة على مدى 35عاماً من التشوهات، كما يتحرر الوطن كأرض من قبضتهم، تتحرر الجمهورية كنظام وثورة سبتمبر العظيم كفعل، أروع صور للاحتفالات بهذه الثورة المجيدة، وضع أكليل من الورود على جثمان علي عبد المغني- قائد الثورة الفعلي الذي غيبه نظام المخلوع- صور تنم عن عظمتها، وإنها في أمان بيد أبنائها الأشاوس، رغم المؤامرات على مدى خمسة وخمسين عاما من إعاقة طريقها وتحقيق أهدافها.
احتفالات متواضعة لكنها نابعة من قلب وروح ووجدان الشعب، ليس فيها نفاق ولا تصفيق لخطاب كله مغالطات ورسائل تغذي خلافات وفتن بين جماعات وأطياف.. ثورتنا اليوم حرة، لم تعد مطية بيد أعدائها يستثمرونها لدغدغة مشاعر البسطاء للبقاء متربعين جاثمين على كاهلنا والثورة معاقة، كقلادة يتباهون بها، ويجعلون احتفالاتها برمجنده إعلامية لتلميع صورهم القبيحة، وفاتورة صرف لنهب المال العام، ماذا بقى من أهدافها ؟ وقد أفرغوها من محتواها، لا جيش وطني، ولا وحدة وطنية، وكادت الجمهورية أن تنحر، لتعود الملكية بأقبح صورها، والإمام وخرافاته وكهنوته، لا حرية ولا هامش للديمقراطية، وعاد العكفي، على شكل لجان ثورية، يجمعون الخمس للسيد تحت غطاء الدعم الحربي، إمام اثنا عشري بفكر أخبث وتعصب عقيم وبدعم خارجي رجيم.
تحالفوا، وجمعتهم السلالة والطائفة، وحقدهم وتآمرهم على الجمهورية والثورة، تحالفوا ضد التحول والتغيير المنشود لإنقاذ الجمهورية والوطن والثورة من التهالك، والصراعات والتناحر الذي نعيشه، بل هي مؤامرة تحاك منذ فجر الوحدة اليمنية، وإعلان الديمقراطية والتعددية السياسية، والخوف الذي كان يراودهم من القوى الوطنية حين أتيح لها النشاط العلني وبشكل رسمي وقانوني، الخوف من سقوط حكم المركز المقدس، ليصبح حق في متناول أي مواطن مهما كان عرقه وسلالته، الخوف من الحرية من المواطنة المتساوية من العدالة، من أن تصبح الجمهورية محصنة وأكثر قوة وصلابة، وكان التأمر والتحالف للقضاء على الجمهورية والثورة.
وبدأ إمام صغير يتربع العرش، وبثورة مضادة اختار سبتمبر لنفس الهدف، إمام رفعت صوره فوق المؤسسات، والقصر الجمهوري، وبدأ تدريجيا مسلسل تهميش ثورة سبتمبر لتبرز ثورتهم المصطنعة، يراهنون على أن الناس تنسى أو تتناسى، لا يدركون أن 26 سبتمبر منحوتة في وجدان كل مواطن يمني، وكل إنسان حر وشريف ووطني، ولهذا هب الشرفاء والمناضلون للدفاع عن سبتمبر الثورة والجمهورية والوطن.
كان لابد من تغيير الواقع المشوه الذي زرعه على الأرض الطيبة النظام البائد نظام المخلوع، نظام اختلت فيه الموازين، انقلبت القيم، فتجد من يتحدث عن الدولة المنشودة والعدالة والحرية والمساواة، وداخله طائفي مناطقي ينموا ويتغذى من واقعهم البائس وقمامة الرداءة، يبدأ ينظر للشخص نظرة ريبه، ويستخدم ميكروسكوبه ليتفحص الجينات، واقع خلق شرخا اجتماعيا وشروخا وطنية بين الشمال والجنوب وفي داخل الشمال وداخل الجنوب نفسه، وإذا بالمناطقية والطائفية واقع نعيشه، وجدت عقولا ونفوسا مريضة تتقبلها وتمارسها كسلوك.
بعض مثقفينا، بدلاً من أن يكون فاعلاً في صنع الوعي تحول البعض مسايراً للواقع ومواكبا للظروف، لا يتجرأ أن يقف ضد الجهل ويصحح الاعوجاج ويتماها معهم، وإذا به مثقف باحث عن مصلحة، يسخر ثقافته لإرضاء القائمين على سلطة أمر الواقع المفروضة، مثقف تصنعه الظروف لا يصنعها أو يغير فيها، وهكذا مثقف لن ينجح في بناء مشهد راقي للوعي أو فاعل في بناء هرم الوعي، مؤسف أن أقول إنه جزء من رداءة الواقع، وتحول لمثقف إشاعة
فلا تستغرب منه أن يلعن أو يشمت بثورة سبتمبر اليوم وغدا أكتوبر إن وجد من يرضيه هكذا خطاب، وما علاقة ثورة سبتمبر بما جرى من انتكاسات للجنوب؟ وهي الثورة التي رفدها الجنوبيون بالفدائيين ورفدت ثورة أكتوبر بالمقاتلين والسلاح، كنا جسدا واحدا في كل المواقف، وصنعوا مننا قبائل وعشائر متناحرة، عمقوا فينا الكراهية والحقد والبغيضة، ليحكمونا بشرعهم وعرفهم ومركزهم، أسفا أن يتحول بعض أخواني في الجنوب يخدمونهم بمواقف واختيارات غير سليمة، فتحول البعض لمنتقم من ثورة سبتمبر وبالتالي أكتوبر، فهناك سلطان صغير يتشكل في ذهنية البعض، أسوة بالإمام وكل يحلم بماضي أجداده، ونسي أن الشعب قد ثار ثورة لا يمكن أن يفرط بها، ثورة عمدوها بالدم، ولازال على استعداد أن يقدم مزيداً من التضحيات ليعيش حراً كريماً وثورة تحقق أهدافها كاملة غير منقوصة، والله أكبر والنصر للجمهورية والثورة..
أحمد ناصر حميدان
26سبتمبر ثورة تستعيد روحها 1428