ليس كل متعلم ويحمل شهادة عليا، يمكن القول عنه مثقف واعي، لأن الوعي هو نتاج للعلم والثقافة والتجربة، ليس المهم المركز الوظيفي الذي تحتله ولا الشهادات التي نلتها أذا لم يكن لديك فهم متوازن للواقع.
للأسف البعض يدعّي الوعي، وهو يمارس ثقافة لا وعي، تجده جزءا من صراع طائفي مروج لطرف وضد طرف، لا يمتلك ثقافة التعايش ولا يهتم للاختلافات الطائفية والدينية وتنوعها وأهمية هذا التنوع في أطياف المجتمع، لا يعي أن كل ذلك جزءا من تنمية المجتمع سياسياً وثقافياً وفكرياً، عندما تجده يكرس الطائفية السياسية، ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي بل هو موقف انتهازي للحصول على صراع اجتماعي، عنف طائفي، يغذي الحرب الطائفية، بحجة موقفه من طرف لا يستسيغه.
في فرنسا مثقفوها انتشلوها من محنتها بالرأي والإرشاد والتوجيه والموعظة الحسنة، ليصلوا بها إلى عصر الأنوار والنهضة، بالنقد البنّاء لا الهدام، بأن يسدد سهام نقده اللاذع للفساد والظلم والإرهاب، وان يعمل على انبثاق الحقيقة، والأمانة، والمنفعة، لما يخدم الوطن والمصلحة العامة لا مصلحة طرف وجماعة.
المؤسف أن يتحول بعض مثقفينا في بلادي مسعري للحرب، نعم، مشعليها يصبون البنزين عليها، بينما الوطن اليوم في أمس الحاجة للتوافق وتقارب وجهات النظر لما يصب في مصلحته ومصلحة هذا الشعب، الذي يراد له أن يعيش متناحراً، كلما تجاوز محنة صنعوا له خصماً وصوروا له شيطاناً منه وفية، ليبعدونه عن خصمه الحقيقي القوى المتنفذة، قوى الماضي الذي تريد إعاقة الحاضر للولوج للمستقبل، وتبديد أحلام وطموحات البسطاء، نجد عدداً من حملة راية العلم، والعلم نور، علماً لم ينر بعد عقولهم ويطهر قلوبهم، فلا يعدو غير نصوص بقوالب جامدة تحفظ عن ظهر قلب، فلهذا لازالوا أسيري الماضي بصراعاته وخصوماته فيعممونها، ويستثمرونها في لعن وشتم الآخرين، التكفير والتخوين، توأمان يسكنان في نفس العقل المتخلف والصدى، الذي لم يؤثر فيه العلم والمعرفة والتجارب الذي مر بها، لا يمكن لعلم استوعبه عقل ويحمل فكرا نيرا أن يبقى ضالا منغمسا في الخصومة والتحريض ورمي التهم جزافا لكل من يعارضه، لا فائدة من علم ما لم يتفتح به العقل ويطهر النفس من نجاسة الصراعات والخصومة اللعينة، ليحمل صاحبه فكرا مفيدا للأمة، يرسخ التسامح والتعايش والوفاق، ويبحث في كيفية تنوير الضالين والخاطئون والنفوس الخبيثة، والعقل المتفتح لا يؤجج الصراع ويحشد الخصومة الفاجرة ويسمم المجتمع بمزيد من الكراهية والحقد في وطن واحد بحاجة أن نتعايش به ونعيش بحب وسلام وأمان، لسانك حصانك، منها مخارج الألفاظ المعبر عن ثقافتك وعلمك، في تعاملك مع الآخر في خطابك معهم، رداءة الألفاظ واللعن والشتم والاتهام والتخوين هي وسائل الفشل والنفس الأمارة بالسوء، ماذا بعد أن تسقط أخلاقك.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
رداءة الواقع صناعة من إنتاجهم، يسممون المجتمع والشباب بأفكار ضالة، يملكون نصف الحقيقة، ويتناسون النصف الأخر، هم الحق وغيرهم الباطل، الوطن اليوم يئن والحرب جاثمة على كاهلنا، والمتسببون والأسباب، واضحة كوضوح الشمس لكن غمامة الحقد والخصومة أضعفت الرؤية، وقيدت العقل في زاوية معينة، وما يحدث من موت ودمار هي تداعيات ونتائج لهذه الحرب، وماذا تنتظر من حرب غير ذلك، الحرب لا ترمي ورودا ولا قبلات، الحرب هي عنف وأدوات للموت، وبدايتها شرارة، كنتم مؤيديها وفرحين بها، وما تلاه هي نتائج فرضتها هذه الحرب، فالوطن لا يحتاج اليوم لأمثالك يشعلون فيه الحرائق ويؤججون الخصومة الفاجرة ويحشدون شباب ضد بعضهم البعض، الوطن اليوم بحاجة لعقول متفتحة طاهرة، ترسخ التسامح تترفع عن الصغائر تنير العقول بالحب والوئام لتضع الوطن فوق الجميع، يجب أن ننظر للأخر كشريك، ونهتم بما هو مشترك ونعالج الاختلافات بطريقة تقربنا من بعض لا تفرقنا وتمزقنا، أفكارهم واختياراتهم تفضحهم وتعري مستوى وعيهم وثقافتهم، هذه الحرب فرزت الغث من السمين، وعرفنا من مع الحق ومن يأخذ الحق ويراد به باطل .
أحمد ناصر حميدان
المثقف والطائفية 1413