عدن الساحرة والوديعة، المدينة التي أوجدها الله وأحاطها بطبيعة ومكانة مميزة كميناء حر ومركز اقتصادي وتجاري، وموقع استراتيجي كنقطة وصل بين العالم والجزيرة منذ قرون مضت، في مجدها كانت عدن مدينة مفتوحة،وكانوا في دول الخليج عامة وأفريقيا يستقبلون القادم من عدن فرحاً وشوقاً لمشاهدة ماذا جلب لهم من هذه المدينة التي تمدهم بأحدث ما أنتجه العالم من بضائع ومواد ضرورية.
فقدت عدن ذلك بمجرد ما أن أغلقت على ذاتها بأيدلوجية وفكر واحد ونظام شمولي ومحدودية ارتباطها بالخارج، وبدأت عدن تعاني وتحلم، وعاشت سراب حلم العاصمة الاقتصادية والتجارية والمنطقة الحرة، ولازالت عدن تقاوم الانغلاق، كهوية أن تكون مشروعاً منفتحاً على المستقبل تتجدد بتجدده، وإما أن تكون منغلقة على ذاتها، تقاوم من يجرها للانغلاق بدعوى أنها كيانه الخاص لتنطلق لرحاب العصر وتساير الزمان، فإما أن تكون عدن هوية منفتحة أو هوية انغلاق.
كشف الزمان عن حقيقة بسيطة وهي أن الخطاب المتشدد والمتصلب بفكر واختيارات ضيقة الأفق بتبني رؤية والتعصب لها، أنه خطاب أدركه الوهن، يرفض التغيير وقبول الآخر، رؤية يلجئ له الأقل شأنا والأضعف حيلة، فالتغيير سنة الله في خلقه.
والمتعصبون للأفكار والتوجهات والمنغلقون في بوتقة عن الغير والمتشددون، سلوك غير سوي له دواعي خطرة، يجعلهم بالتدريج يعانون من آثار نفسية سيئة لأنهم في الطبيعي لم يتعودوا على المرونة في التعامل وتقبل الآخر، وهو ما يؤذيهم بمرور الوقت نفسياً، عندما يصطدمون بالواقع ويصطدمون بغيرهم من المعارضين لأفكارهم، وهو ما ينصح به الأطباء بضرورة أن ينخرط الإنسان ويستمع إلى كل الآراء والتوجهات وألا ينغلق على أفكاره وعلى مؤيديه وذاته، فالانغلاق هو الموت بذاته للفكرة والمشروع والحامل لهما ما لم يواكب المتغيرات من حوله..
اليوم عدن تحررت من هيمنة وتسلط الاستبداد، فهل تتحرر من ذاتها لتنطلق لرحاب المستقبل لتستعيد مجدها كمركز تجاري واقتصادي حر ومدينة عالمية، لتكون منطقة تجارية واقتصادية لها سيادتها وقوانينها الملزمة للجميع زوارا ومقيمين وساكنين، لتحتضن الجميع وتفتح أبوابها للشركات المتعددة الجنسيات والبيوت التجارية المحلية والعربية والعالمية لتستثمر في عدن، لتعود وتزدهر عدن، كما عرفت كثاني ميناء عالمي!!.
هل تثبت عدن اليوم أنها مدينة للحياة وتكسر كل التحديات، وتنجح في كسر حاجز الانغلاق الذي بناه البعض ويحافظ البعض الآخر على إبقائه عائقاً أمام انطلاق هذه المدينة لتكون مركزا تجاريا عالميا، للتخلص من كل ما علق بها خلال فترة من الزمن أعادها للخلف كثيرا، فتأخرت، وتركت فراغا أملته مناطق أخرى كهونج كونج وسنغافورا ودبي أخيرا، هل ستستعيد عدن مجدها؟!.
القرار الرئاسي بنقل البنك المركزي لمدينة عدن، هي فرصة سانحة لتحتل عدن مكانة تجارية رفيعة، لتستضيف المقرات الرئيسية للمنظمات الدولية كالبنك الدولي والبعثات الدبلوماسية، لتعود عدن لحضن التحضر والحضارة، بتواجد مؤسسات ثقافية ووسائل إعلام مؤثرة ودولية، وقبلة لكل الزائرين..
هل تستغل عدن والقائمون عليها وأبناؤها الغيورون على مدينتهم هذه الفرصة، لتعود عدن بتفعيل مينائها والشركات التابعة له مثل أحواض السفن وشركات الملاحة، والبنوك التجارية، والمنطقة الحرة، وانتعاش الأسواق والسياحة، ولن يتم ذلك دون استقرار وانفتاح اقتصادي وسياسي،والتحرر من الاحتكارات والهيمنة والتسلط، اليوم الظروف الموضوعية والذاتية أفضل بكثير.! ما تحتاجه عدن هي عقول متفتحة، ونفوس طاهرة خالية من الكراهية وأحقاد الماضي ووسواس الحاضر والمستقبل، لتبقى عدن حرة وأبية وذات سيادة، يجب أن تستعيد ثقتها وثقافتها للتعايش وقبول الأخر والاعتراف به وإيجاد صيغة مشتركة للتعامل معه، وتنفتح على العالم والإقليم والمنطقة.
قرار نقل البنك المركزي، جزء من قرارات استعادة الدولة لتكون عدن منطلق إرساء كيانها المؤسسي، كل الوزارات والمؤسسات السيادية، ستكون في عدن، وسينتقل الثقل السياسي والاقتصادي لعدن، يمكن أن يكون مؤشر خير لتجاوز معضلاتها ومعاناة أبنائها من تدهور الخدمات، وإصلاح أوضاعها المنهارة، أمام عدن خياران لا ثالث لهما، أن تتحمل مسؤولية استعادة الدولة لتكون مركزا لاستعادتها وتتويجاً لنضالها ضد الانقلابيين، حيث كانت مصدر الأمل في النصر ومنطلقة، أو أن تخذل الجميع لتخدم أعداء الدولة وحلم الجماهير وطموحهم في المستقبل والتحول المنشود لا سمح الله، ولن تكون عدن غير مصدر خير وإشراق لليمن والمنطقة وهكذا هي عدن ولن تكون غير ذلك..
أحمد ناصر حميدان
مستقبل عدن بعد استقبالها للبنك المركزي 1468