📖 قال تعالى: [{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبين() فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِين }] "القصص:18-19".
في زمان ما قبل فرعون وفي أيامه، وما ورثه الناس عن السابقين ومللهم وكتبهم أنهم تعارفوا على أن من قتل اثنين فصاعدا بغير حق صار عندهم من الجبارين البطاشين المفسدين في الأرض الذين لا يجوز أن يُلقّبون بالمصلحين، ولا هم من الذين يحبون الإصلاح بين الناس؟! ولذلك واجه الإسرائيلي موسى -عليه السلام- بهذه النظرية السياسية الاجتماعية التي سجلها القرآن آية تتلى، وفيها نظام وقانون ودستور، بل فيها عظة وعبرة لذوي العقول الراجحة.
📚 قال الطبري عند تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ) في جام البيان: " يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الإسرائيلي لموسى: إن تريد ما تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض، وكان من فعل الجبابرة: قتل النفوس ظلما بغير حقّ، وقيل: إنما قال ذلك لموسى الإسرائيليّ؛ لأنه كان عندهم من قتل نفسين: من الجبابرة "، ثم ذكر الروايات في ذلك عن السلف.
📚 وقال القرطبي في الجامع عند تفسير الآية: " قال يا موسى أتريد أن تقتلني قال ابن جبير: أراد موسى أن يبطش بالقبطي فتوهم الإسرائيلي أنه يريده، لأنه أغلظ له في القول فقال : أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس فسمع القبطي الكلام فأفشاه. وقيل: أراد أن يبطش الإسرائيلي بالقبطي فنهاه موسى فخاف منه، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس. (إن تريد) أي ما تريد. إلا أن تكون جباراً في الأرض أي قتال. وقال عكرمة والشعبي: لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين بغير حق وما تريد أن تكون من المصلحين أي من الذين يصلحون بين الناس".
🔴 هي لفتة تفسيرية عظيمة من المفسرين القدامى - رحمهم الله- أن ينقلوا لنا كل تفسيرات ومعان تحترم دماء الناس، وكرامات الناس، وحقوق الناس، وتدعو إلى صيانة الأنفس وحمايتها من القتل إلا بحق شرعي، وهذه القيم النبيلة، والمثل العليا التي تشجب وتندد بالاعتداءات الدموية على الأنفس البريئة وتعتبرها من أفعال الجبارين أهل البطش والإفساد في الأرض لمجرد التعدي على نفس أو نفسين وإزهاقهما، هي مادة أصيلة في حياة الإنسان وحمايته وتكريمه وتحقيق التعايش في عالمه، ولا أشك في أن مصدر هذا الكلام الطيب هو أديان سماوية سابقة، لأن بدء تاريخ الإنسان بحسب ثقافتي وقرآتي سافك لدماء أخيه الإنسان إلا ما رحم الله، وابنا آدم أكبر دليل وشاهد على ما ذهبت.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك- جامعة تعز.
⏪ يتبع2⃣
د. عبدالواسع هزبر
من معايير القرآن لأفعال الجبارين وقيم المصلحين1 1175