يتشكل فكر وثقافة الإنسان من نشأته الأسرية والاجتماعية مما يرتشفه من علم ومعرفة، أساسها التربية والتعليم ومناهجها والسياسة التعليمة، والمعاهد والمدارس الخاصة والمنابر الخاضعة للدولة وغير الدولة، ينتج صالح وطالح، وهناك عبث أنشأ التطرف وأفكاراً ضالة وعفناً غذّى العقول، فكر كبر ونما في أحضاننا، وسط أسرنا، في المسجد والمدرسة والمعهد، شحن أعمى، وخطاب مضلل، طفل ينمو ويتصلب عوده وعندما كبر وشكّل خطراً علينا وبدأ الضرر، فقاومناه وكلما قاومناه اشتد غلاظه وانتشر في البيئة الحاضنة له، هم منا وإلينا، كلما وجدوا فراغاً ملأوه، وعنفا استثمروه، ومنبرا اعتلوه، ونظاما وقانونا تحاشوه، إنها النار من مستصغر الشرر، يتطور وتتنوع أساليبه من تكفير وانحلال وكراهية وحقد وغير ذلك..
فكلها تنحصر في الفكر نتيجة الظلم والاضطهاد وغياب العدالة وضغوط لحظيه صاحبها عاطفة خاصة أو عامة، قد تصادف ذلك في البيت أو في المجتمع مع أخ أو قريب، نعم خريج جامعة لم يوظف بعد، شباب ضاقت به الحياة وأهمل وغابت الدولة والرقابة والتوجيه، ووجد من يجتهد ويخطئ، ونتيجة أخطائه كارثية على المجتمع والوطن، إنه الإرهاب فكراً يتلبس الإنسان وصار خطر على نفسه ومجتمعة وأمته.
الإرهاب الذي ينهش في جسد أمتنا ولم يكف عن تشويه صورة الإسلام، استخدمه البعض لمصالحة الأنانية تلبية لقناعات مشوهة إعلاميا أو ميدانياً لضرب الآخر، كلما استأصلناه يتوارى وفي غفوة زمن ينهش ويأخذ منا أنقى ما فينا، الإرهابيون يخدمون بعضهم من أقصى اليسار لأقصى اليمين، والضحايا شباب في مقتبل العمر.
كم بكت عدن من الإرهاب، بكت شبابها وخيرت أبنائها، نتيجة حرب لعينة، فتحت مجالا لقوى العنف أن تتصدر المشهد وتتربع منصة المواجهة وكان الإرهاب، داء فينا، لنعترف أننا مرضى بهذا الداء، علاجه الدولة ومؤسساتها والنظام والقانون ومناهج وعلم يصون العقول وينهض بها لمواكبة العصر والتطور والانفتاح، الاهتمام بالتعليم والتركيز على المنابر وتضيق الخناق على البيئة الحاضنة له، إنه فكر يجب مواجهته بفكر نير متحضر منفتح إنسانياً وأخلاقياً ودينياً وسطياً، بثقافة التعايش والسلام وإرساء الحب والوئام، تجريم التطرف ومحاسبة دعاته وفق نظام وقانون يخضع له الجميع في دولة عادلة وضامنة للحريات.
الغريب والعجيب، كلما تشكل كيان دولة ومؤسساتها نجد أجسام غريبة، تتطفل حياتنا وتنافس الدولة في مهامها، كيانات طائفية كانت أو مناطقية، ما الذي يراد منها؟!، لتكون دولة داخل الدولة أم قوة تقوض الدولة،أم يد لابد منها لتخدم أجندات خاصة، لن تستقيم الدولة بغير جيش وطني يخضع (للمنطقة العسكرية الرابعة)، وأمن وطني يخضع لأمن الدولة (عام وسياسي) ومؤسسات دولة وفق قانون وأدبيات الدولة، ويلتزم باستراتيجيات هذه الدولة ويخضع لنظامها وقانونها، لسنا بحاجة لمليشيات تعكر صفوة حياتنا، مليشيات تتقاسم البلد لمربعات، تتناحر أحياناً وتوحدها مصالحها حياناً أخرى، وأيادي مرسلة للعبث بالمدينة تحمل أجندات خارجية، تشعر بوجود طفيليات تعيق كيان الدولة واقع مرفوض وبيئة خصبة لتغلغل الإرهاب.
لماذا عدن؟، إنها عاصمة التحرير والتغيير والمستقبل، عاصمة اليمن الجديد، بها يتشكل كيان الدولة، وكل من تتعارض مصالحه مع هذه الدولة وهذا المستقبل الجديد هو المستفيد من الإرهاب كوسيلة لتقويض هذه الدولة، مستغلاً ضعف شرعية بنا الدولة، واللامبالاة القائمين عليها، عندما تتكرر الجريمة بنفس الأسلوب والمخطط، وتنفذ بكل سهولة ويسر، تجد بصمات الإهمال أو التعمد أو اختراق، نريد للصورة أن تتضح، وتعلن نتائج التحقيق، ويحاسب المتسبب، شبابنا خيرت رجالنا عندما يزج بهم للمحارق في تجمع دون وضع الاحتياطات الكفيلة بالتامين والأمان، في عدن إرهاب يخترق تحصيناتها، ولأكثر من مرة، صار الجميع مهدداً من القيادة للقاعدة، صحيح أن هناك رجالاً صدقوا، وتم القبض على أكثر من خلية، والأمن يسير نحو الاستتباب في المدينة، لكن لم يحاسب مهمل بعمد أو بغير عمد كان سبباً فيما حدث، المسؤولية تكليف وليست تشريف، ودماء الشباب والإنسان المواطن ليست رخيصة هي أغلى ما نملك أن فرطنا بها فرطنا بكرامتنا وشرفنا وعزتنا، كم من أم بكت وقهرت وزوجة أثكلت وأبناء تيتموا، أنها لمصائب ضرر ننعي شهداءنا الذي سقطوا ضحايا الأيادي الآثمة.. اللهم تقبلهم عندك من الشهداء وارزقهم منازل الأبرار والسعداء وارفع درجاتهم وصبر أهاليهم وذويهم يا سميع الدعاء والعار على الجبناء.
أحمد ناصر حميدان
الإرهاب وتقويض الدولة 1216