📖 قال تعالى: [ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِه وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْه قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ()قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَه إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ()فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِين]"القصص:15-18".

📚💥 في الآيات الكريمة توصيف لطبيعة الأفعال الخاطئة واعتراف بارتكاب الخطأ في حق الآخرين، والاستدراج الخاطئ لارتكابه من شياطين الإنس والجن، وفيها طلب التوبة والمغفرة من الله، وفيها تعهد من موسى -عليه السلام- أمام الله سبحانه وتعالى وهو يخاطبه ويلتزم له بأنه لن يساعد أو يعين المجرمين على إجرامهم بعد هذه الواقعة، أيا كان الإجرام، وأياً كانت مصادره، من جهة قومه وأتباعه، أو من جهة فرعون وقوم وأشياعه، فالإجرام هو الإجرام وهو ملة واحدة، والظلم هو الظلم وإن تغيرت مصانع إنتاجه؟! وهو درس عام لكل المقتدين المهتدين بالأنبياء.

🔴 تعهّد موسى -عليه السلام- أمام الله غافر الذنب وقابل التوب بأنه لن يكون بعد هذه الواقعة الخاطئة متعصبا ضيقا ومتهوراً، لن يكون عنصرياً شعوبياً قبلياً مناطقياً مذهبياً طائفياً منحازاً لقوم أو للون أو لجنس أو لنوع أو لفئة أو لشيعة من الناس بغير حق، لن يكون ظالماً جائراً في الحكم والنظر في القضايا، يميل لشيعته وجماعته والأتباع، ولن يكون منه إلا العدل والقسط بين الناس أياً كانوا، ولن يكون مساعداً ومعيناً وداعماً للمتهورين المتشددين المتنطعين المتطرفين المتحجرين، ولن يكون مؤيدا ومناصرا للغلاظ الشداد الجلاف المتعجرفين المتخرفين الجامدين على أفهامهم وأفكارهم وأساليبهم الخاطئة، وطقوسهم التقليدية القديمة.

🔵 لن يكون ظهيراً بالإعانة والمساعدة للمنقلبين على القيم والأخلاق وحقوق الشعوب والأوطان، والذين يفسدون في الأرض، يذبحون الذكور المعارضين، ويستحيون النساء، يمتهنون المرأة بتسخيرها للخدمة الخاصة، ويصادرون الحقوق والعقول، ويهينون الكرامة الآدمية، لن يكون ظهيرا ومعيناً للمتكبرين المعجبين بأنفسهم وذواتهم وأنانيتهم ومصالحهم الشخصية على حساب حقوق الآخرين، لن يكون ظهراً يركب عليه الأعداء في الداخل والخارج لتحقيق مآربهم وأغراضهم وأهدافهم وغاياتهم على حساب الدين والوطن والقيم.

🔵 لن يكون بعد هذه الواقعة الخاطئة ظهيرا بالسمع والطاعة لكل صائت وناهق ومزمّر وصارخ بغير حق أيا كان، ولن يكون ملبيا لكل مستصرخ بقلمه أو بلسانه أو بأبواق إعلامه السمعية البصرية الكاذبة الخاطئة أو متأثرا بها، لن يخضع للصرخات والاستصراخات والأصوات الشاذة الناشزة المغرضة، ولن يسمع للأنباء الكاذبة والأخبار المزورة والأقوال المنكرة، ولن يسمح لها بأن تشكل عقله وتوجهه وممارساته، لن يكون ظهيرا للمجرمين والظالمين والبغاة والطغاة وإن كانوا من عائلته وأرحامه وأنصاره المحسوبين عليه، وإن كانوا من أهل دينه وعقيدته ما دام عملهم غير صالح.

🔴 لن يكون تحرُّكه بعد هذه الواقعة الخاطئة إلا مع الحق، مع نصرة الخير، مع رفع راية الفضيلة، ولن يكون إلا مع الحقيقة والواقع، لن يكون قلمه ولن تكون لسانه إلا مع المعروف، وأهل المعروف، مع الصلح والمصلحين، مع الحق والمحقين، ومع الصدق والصادقين، مع الإنصاف والمنصفين، مع العدل والعادلين، ولن يكون يوماً من الأيام القابلة ظهيرا ومعينا ومنقذا للمستفزِّين المستبدين القاسطين، ولكل شرير فوضوي غوي مبين.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك- جامعة تعز.