في إيران يطاردك النظام الكهنوتي بحبل المشنقة كلما حاولت التعبير (معارضاً) أو أعطيت درساً من مذهبك الذي لا ينتمي لمدرسة "السلطة" (الاثني عشرية الجعفرية)؛ وببساطة تُلفق لك كـ ـإيراني- تهمة تجارة المخدرات أو الانتماء لجماعات متطرفة؛ لتكون نوّاة لنظرية إدارة التوحش ضد عائلتك وشعبك.
وهو ما يوضحه النائب عن التيار الأصولي المتشدد في مجلس الشورى الإيراني، محمد رضا باهنر، بالقول "إن كل معارض للنظام يجب أن يتوقع الإعدام"، مشيراً إلى أن هناك "أعداء للثورة من داخل النظام"؛ فالتصفية لا تمتد لأولئك المعارضين بل إلى داخل النظام كما يشير ذلك النائب. أفتتحت إيران شهر أغسطس/ آب الحالي بإعدام 25 من أبناء "السُنة" الأكراد، وكالعادة كتغطية على "الإرهاب الميليشياوي" لعصابة إجرامية حاول النظام تبريرها بالانتماء للإرهاب، فيما نفى هؤلاء الرجال في رسائل سربوها من السجن إلى المنظمات الحقوقية الدولية قيامهم بأية أعمال مسلحة وأكدوا أن نشاطاتهم كانت تركز على تعاليم مذهب أهل السنة والجماعة بشكل سلمي وعلني وعدم مناصرتهم أية تيارات متطرفة من أي جهة كانت. وهو ما أكده علماء سُنه في مناشدات مستمرة إلى خامنئي ومكتبه اللذان لم يردا حتى على رسائلهم المستمرة.
إيران هي دولة من الأقليات لكن القومية "الفارسية" هي المتسّيدة والمتسلطة على بقية القوميات "عرب- آذريين- لور- جيلاك- تركمان- مازندرانيون- كرد- بلوش"، وغالباً ما يتعرض هؤلاء إلى الاضطهاد والقمع والإعدامات المتفرقة ولا تُقدم قراهم ومناطقهم أي خدمات، كما يجري إقصائهم من أي وظائف حكومية وحتى من الجامعات. ولأن القومية تتداخل مع المذهبية، فإن كان (الإيراني) سُنياً من أي قومية كانت فمصيبته أعظم، كما تتفاقم حالته المعيشية سوءً إن كان سُنياً عربياً أو كردياً أو بلوشياً، في طريقة حُكم لنظام لم يعرفه تاريخ البشرية بتلك الطريقة الوحشية المقززة ضد ما يمكن قوله أنهم "شعبه"-إن جاز التعبير-. وحسب التقرير السنوي للخارجية الأميركية حول حرية الأديان للعام 2016، وصدر أغسطس/آب فإن هناك 380 سجيناً يقبعون في السجون الإيرانية بسبب انتمائهم للأقليات الدينية أو نشاطهم الديني بينهم 250 سنّيا.
يقوم النظام الإيراني بإعدام 3 من مواطني البلاد يومياً، شنقاً- حسب إحصاءات العفو الدولية 2015م- فخلال الأعوام 2013، 2014، 2015 جرى اعدام 665، 721، 966، على التوالي (أي منذ بدء رئاسة حسن روحاني)، وكنظرية إدارة التوحش، يقوم النظام الإيراني بإرهاب المجتمع وتحذيره من أي احتجاج على وقف تطرف السلطة ضد الشعب والتمييز الاثني والطائفي في البلاد، أسوأ ذلك ما يجري أثناء الإعدام، من إرهاب مخيف. ففي ساعات الصباح الباكر تنتشر القوات في شوارع البلدة، ثم يُحشد الناس إلى ساحة الإعدام بما فيه أهل المعدوم، وأقاربه، وبطريقة بشعة عن طريق الرافعة أو عن طريق تعليق المحكوم عليهم ووضع حافلة تحت أقدام المحكومين لتنفيذ هذا الحكم.
وعندما ينتهي الإعدام يأتي دور تعذيب ذوي المحكوم عليهم، فالجثث لا تسلم ببساطة وسهولة، بل بتعهدات مثل منع إجراء أي مراسم عزاء، وأن تتم عملية الدفن بشكل خفي بدون جنازة أو اشعار، هذا إن قبل النظام بتسليم الجثة لذويه وإلا تأخذ معهم وتدفن في مقابر جماعية أو بعيده ويظل الأهالي يبحثون ويتابعون النظام لأشهر وربما سنوات لمعرفة مكان من تم إعدامه. فيما تكون كل متعلقات هؤلاء السُجناء السُنة أو أياً من الأقليات الذين جرى اعدامهم يتم توزيعها كـ "غنائم حرب"؛ حرب النظام ضد المدنيين العزّل الممارسين لشعائرهم الدينية.
تُدير إيران التوحش بممارسة الإرهاب ضد الأٌقليات وبالذات ممن ينتمون إلى المعارضين "مجاهدي خلق" (يغلب عليهم الانتماء للتيار اليساري) أو ممن ينتمون إلى "السُنة" و "العرب" وبتلك الطريقة البشعة في المحاكمات السرية والتعذيب والإعدام أمام الناس بسبب ممارستهم لحقوقهم العقائدية وعاداتهم وتقاليدهم، يريد النظام الإيراني إبقائهم في توجس دائم وحاجة للموادعة والمسالمة -مهادنة- النظام الملالي ووقف المطالبة بحقوقهم وحقوق أمتهم. وتتم في مراحل متفرقة وفترات زمنية متفاوتة من أجل تشتيت الأقليات لجهودها والعمل على جعلها لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها لوقف هذا القمع والإرهاب المفتعل، وبمجرد الشعور بتحركات لحفظ قيّم الأقليات وعادتها أو نشر أفكارها وارثها ومذهبها تتحرك الآلة القمعية للنظام نحو أفعالها المتوحشة.
هذه النظرية في تقييد المحكومين -الشعب- لحفظ النظام والتكتيك ليست مرتبطة بما يمكن الحديث حوله "تنامي التطرف والجماعات" بل تمتد إلى الشهر الأول لقيام الثورة الإيرانية بإعدام رئيس جهاز السافاك نعمة الله ناصري، قائد القوات الجوية منوتشهر خسروداد، الحاكم العسكري في أصفهان رضا ناجي، الحاكم العسكري في طهران والقائد العام للشرطة في البلاد مهدي رحيمي بعد يومين من انتصار الخيمي 16 فبراير/شباط 1979م.
وبعد ذلك تتابعت الأحكام على أياً من المخالفين والمعارضين، وكانت أبرز الحالات البشعة للإبادة الجماعية للمعارضين ما تم تنفيذه عام 1988م فخلال أربعة أشهر كان عشرات الآلاف موتى بالمشانق بدون ضجيج تقول المعارضة إنهم بين 8000 و 30000 إيراني معارض، للنظام، واعدم معظمهم بلا محاكمات، بعد أن قام "الخميني" بتشكيل (لجنة الموت) التي كانت تحتوي على (16) شخصاً بينهم (خامنئي). كان آية الله حسين علي منتظري هو الرجل الذي تصدى لـ"الخميني" و لهذه اللجنة وبسبب ذلك أعلن عن إقالته من منصبه كنائب للخميني و ولي عهدة.
حديث النائب الإيراني محمد رضا باهنر، والذي سبق الإشارة إليه، جاء رداً على كتعليق على اعدام أبناء "السُنة" الـ(25) الذين أعدموا في وقت سابق، وهو أيضاً رد على الحملة التي يقودها الإيرانيين ضد النظام بعد انكشاف تسريبات بداية أغسطس/آب 2016م لـ"منتظري" وهو يهاجم لجنة الموت خلال اجتماع معهم، وحسب التسجيل فقد تطرق إلى الأحكام غير العادلة والفعل الانتقامي من خلال الإعدامات الجماعية، وقال: " إن ما قمتم به أبشع جريمة منذ تأسيس النظام بعد الثورة إلى الآن"، محذراً الحاضرين في الجلسة من أن التاريخ سوف يسجل أسماءهم في قائمة المجرمين.
ويذكر منتظري نقلاً عن مسؤول قضائي أن أحد المحكومين بالإعدام أعلن براءته من التنظيم الذي كان ينتمي إليه، ولكن قيل له "هل أنت مستعد أن تمشي على الألغام لو طلبنا منك لنتأكد من صدق براءتك من التنظيم؟ فرد قائلاً: هل الجميع مستعدون أن يمشوا على الألغام؟ فبما أني أصبحت مسلماً جديداً لا يجوز أن تسألوني هذا السؤال، وهذا الرد تسبب في تنفيذ حكم الإعدام فيه"، كما يقول منظري في التسجيل الذي أصبح كابوساً للنظام الإيراني فيمكن اعتماده كدليل على جرائم إبادة جماعية نُفذت بسبب انتماءات سياسية.
في الأخير فثورة أسست على الكهنوت وعلى سفك الدماء بتلك البشاعة لا يفترض أن يحدث انتقاص للعدالة من محاكم البشر في الأرض، وإن حدث فلن تؤثر على محكمة العدل الإلهية وعشرات الآلاف الذين قتلوا ويُعدموا على يد هذا النظام ستكون أمام الله يوم يلتقي كل الخصوم إليه.
*مجلة البيان
عدنان هاشم
توحش إيران ضد الأقليات..مشانق لا تهدأ 1150