📖 قال تعالى : [{ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِه وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ()قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ }] " القصص: 15-17" .
🔵 خلق الاعتذار والتوبة والإنابة إلى الله والاعتراف بالحق للمستحق له من الناس هو من خصائص المؤمنين الصادقين في كل زمان ومكان، فضلا عن الأنبياء والرسل، فهم الأصل والأساس والقدوة والهدى، وموسى -عليه السلام- هو من أهْل هذه الميزات والأخلاقيات والسلوكيات الحميدة عند الله، والحميدة عند الناس، والحميدة في شخصيته ، وقد كانت هذه الأخلاق ممارسات عملية منه لهارون - عليه السلام- أخاه وقرينه في النبوة والرسالة.
🔴 إن المراجعة الذاتية للمواقف والتقييم المباشر في الحوادث، والحساب الآني والسريع في الزمان والمكان لازم موسى -عليه السلام- في حياته، وظلت صفات إيجابية ملازمة له يتغلب بها على غيرته، وعلى غضبه، وعلى تسرّعه، وذلك في نظري هو تفسير واضح لبلوغه أشدّه واستواء عقله واكتمال رجولته ونبوته وبلوغه درجة الاحسان [{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }].
🔶 فاقرأ معي هذه الكلمات القرآنية، وما تحمل من المراجعات، وفيها هذا الموقف الراقي في الاعتذار المشوب بالدعاء وطلب الغفران، والاتجاه من موسى -عليه السلام- إلى الله مصدر الوحي والتوجيه والعفو والمغفرة، والخطاب الصريح البصير من هارون لأخيه موسى عليهما السلام- قال تعالى: [{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ()قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }] " الأعراف: 150-151" .
🔵 وفي ضوء ما سبق نعلم أن حاجتنا واجبة إلى مثل هكذا أخلاق ومراجعات ذاتية ومحاسبات شخصية بينية على مستوى الشخصية الواحدة، وعلى مستوى الأفراد والأعداد والهيئات، ولذلك لا بد من تحسس وتلمس كل ما من شأنه أن يخلق لدينا الإيجابية في المراجعة والمحاسبة في مجال الإصلاح الديني وهيئاته وقوالبه، وفي المجال السياسي والأمني والاجتماعي، وفي مجال الفكر والحوار والثقافة والانتماء.
🔵 فلا بد أن يعرف الشخص في مجاله الحقيقة، ويواجه نفسه وذاته وأفعاله ليقول فيها كلمته الواضحة الصريحة ؟. فمتى حكم فاعل الخطيئة على نفسه بالخطأ والتجاوز لما هو مرسوم، وتحمل مسؤوليته كاملة نحو المتضررين منه ومن توجهاته وتصريحاته وممارساته في الواقع فإن الفرد لا زال بخير، والمجتمع لا زال بخير، والأمة لا زالت بخير والإنسانية لا زالت بخير، وعالم المبادئ والقيم لا زال بخير، ومن ثمار اعتماد ذلك هو سريان مبدأ الشفافية والوضوح وتنقية الأجواء بين العاملين في المؤسسات أيا كانت مهمتها ووظيفتها وطبيعتها، ومن ثم الاتجاه بالجهد المبذول كلية نحو العمل والبناء والتنمية المجتمعية وصناعة العقول المنتجة المتعايشة المتحابة.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك- جامعة تعز.
⏪ يتبع3
د. عبدالواسع هزبر
موسى المثل الأعلى في المراجعة والمحاسبة2 942