ربما أفلح الحوثيون وصالح في تضليل أتباعهما في تلك المحافظات اليمنية وتحديداً المناطق القبلية في ذمار وصنعاء وعمران وحجة وصعدة.
أقول ربما أفلح قادة الانقلاب في تضليل بسطاء الخلق ممن يسوقون أطفالهم إلى جبهات القتال ويجبرون على الاحتشاد في ميادين العاصمة صنعاء كلما دعت الضرورة، إنهم هنا يحاكون قولة "لافونتين": " الكذاب والدجال والمتملق يعيشون على حساب من يصغي إليهم".
ومع ذا وذاك يستحيل أن يستمر خداع الناس وبلا منتهى زمني، فمثلما قال الكاتب التركي الراحل ناظم حكمت: " قد تستطيع الكذب على بعض الناس ولكل الوقت، كما وبمقدورك الكذب على معظم الناس ولبعض الوقت، لكنك لن تستطيع الكذب على الجميع ولكل الوقت".
ويبدو أن الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع صالح هم الآن في أزمة خانقة لم تكن بحسبانهما مطلقا، فبعد أن كان التلويح بالبرلمان ورقة سياسية لصالح عقب الانقلاب مباشرة وأثناء ما كان الرئيس الشرعي وحكومته رهن الاعتقال الإجباري، اليوم تم استنفادها وبتهور وغباء ودونما تحقق للمخلوع إلا المزيد من العزلة ومزيد من السخط.
الحوثيون كذلك، فمنذ إعلانهم الدستوري التالي لانقلابهم وتحديداً يوم ٢٤ فبراير ٢٠١٥م والذي أعلنوا خلاله أنهم بصدد تشكيل مجلس رئاسة لإدارة السلطة في البلاد وبعيداً عن البرلمان الذي كان حليفهم صالح يعوّل عليه كثيراً في العودة للحكم ومن خلال غالبيته المؤتمرية.
المتأمل في مجرى مفاوضات السلام الماراثونية التي أعقبت الانقلاب يوم ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤م وبرعاية ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر مروراً بمفاوضات جنيف وبيل السويسريتين يونيو/ ديسمبر ٢٠١٥م وليس انتهاء بمفاوضات الكويت ١و ٢ " نهاية أبريل وحتى يوليو" التي استغرقت نحو مائة يوم وبرعاية المبعوث الدولي الموريتاني إسماعيل ولد شيخ، سيجد أن الوفد الإنقلابي ليست لديه ورقة أخرى غير التلويح بتشكيل مجلس رئاسي مؤقت، وهي ذات الورقة التي سبق ﻟﻠﺤﻮﺛﻴﻴﻦ التلويح بها قبل أن يتم التوقيع على اتفاق ما سمي بالسلم والشراكة وتحت وطأة سلاح الانقلاب وهو الاتفاق الذي أتى بحكومة بحاح التكنوقراطية.
اليوم لم يعد بخاف على أحد أن المخلوع والحوثي استنفدا الورقتين البرلمان والمجلس السياسي، وبهذا لم يتبق لهما غير ورقة الحكومة وهي ليست بأهمية الورقتين.
اجتمع البرلمان ليخفق في إعادة الوضعية إلى ما قبل توقيع مبادرة الخليج في الرياض ٢٠١٢م، إذ أن من حضر جلسة السبت ٦ أغسطس الماضي لا يتعدى الثلث والقليل وهو ما يعني الفشل الذريع لصالح والحوثي اللذين اتفقا على اللجوء للبرلمان وفي اعتقادهم أن خطوة مثل هذه يمكنها سحب البساط كاملاً من السلطة الشرعية والتحالف.
لقد غفلوا شيئاً مهماً، فعلى فرضية نجاحهم في حشد النصف زايد واحد " ١٥١ " عضوا - وهو أمر لم يتحقق لهم - فإنهم لن يتمكنوا من نسف مبادرة الخليج وما تبعها من قرارات دولية، ضف لها أن مبادرة الخليج باتت تمثل دستوراً انتقالياً لليمن بدءاً من تشكيلها لحكومة توافق ومن ثم انتخابات رئاسية يوم ٢٣ فبراير ٢٠١٢م والتي تلاها مؤتمر حوار وطني استمر من مارس ٢٠١٣م إلى ما قبل الانقلاب في سبتمبر ٢٠١٤م وهذا الحوار بكل تأكيد تمخض عن قرارات أجمعت حولها كافة القوى السياسية في الساحة اليمنية بما فيها أتباع صالح والحوثيين.
ومن مضامين مؤتمر الحوار الاتفاق على شكل الدولة الاتحادية وكذا مسودة دستورها الجديد، هذا إذا استثنينا أن مبادرة الخليج ألغت الغالبية النيابية في البرلمان وجعلت قرارات البرلمان توافقية بين كافة القوى الموقعة عليها.
الواقع أن الانقلابيين استنفدوا كل ما في جعبتهم من أوراق ظلوا يلوحون بها طوال فترة استيلائهم على السلطة ومؤسسات الدولة المختلفة. سيحشدون جماهيرهم العريضة إلى ميدان السبعين وعلى ذات المنوال السابق الذي كان صالح يحشد جماهيره الهادرة التي بات الإنسان الرعوي في أرياف اليمن يعي حقيقة الطريقة الآتية بتلك الجموع الغفيرة إلى ساحات الاحتشاد.
الانقلابيون ماضون من فشل إلى فشل، ومن الغباء الاعتقاد أن ما يفعلونه من تصرفات متهورة ناسفة لكل المواثيق والعهود والاتفاقات باعتبارها دلالة على قوة صالح والحوثي أو أن سياسة فرض أمر الواقع في المحافظات الشمالية والغربية التي مازالت تحت سيطرة الانقلابيين هو الأمر الصائب والمجدي الذي يمكنه تحقيق اختراق في جدار السلطة الشرعية بحيث سنرى دولا وقد سارعت للاعتراف بسلطة الأمر الواقع مثلما يظن هؤلاء الحمقاء الذين لا يفقهون معنى لفعلهم المتهور.
على العموم على الحكومة والرئاسة الشرعية أن لا تنجرا لتجاذبات مع الانقلابيين، لأن أي دعوة لعقد جلسة للبرلمان لا معنى له مطلقا قانونيا ودستوريا وسياسيا. صحيح أن السلطة الشرعية يمكنها حشد العدد الأكبر من الأعضاء إلى الجلسة المزمعة، لكن ذلك سيقودها إلى المجهول، إنها بذلك تتماها وتنساق إلى كيان عتيق تجاوزه الزمن خاصة بعد توقيع مبادرة الخليج التي يحسب لها تجميد صلاحياته، وأخرجته أخيرا الحرب والمفاوضات إلى التقاعد.
فحتى القرارات التوافقية الممنوحة للبرلمان الذي صنعه صالح لذاته إبان حكمه وسطوته لم تعد ذات أهمية قياسا بما فرضته المليشيات بعيد انقلابها العسكري ومن ثم حربها على كامل الشعب والبلاد..
أقول دعوهم يشكلون حكومتهم كيفما يشاءون، فما أساسه خاطئ وأحمق يستحيل أن تكون نتائجه ذات قيمة وأهمية، ومن هنا أدعو الحكومة والرئاسة أن لا تنجرا لخوض مغامرة طائشة بذريعة مجاراة لتلك الإجراءات المستفزة، فأي جنوح وانحراف وتهور من الانقلابيين لا يواجه بغير الثبات والتعقل وحسن التصرف..
فالمليشيات بددت أوراقها دونما مقابل، والآن ستشكل حكومة بلا اعتراف أو صلاحيات أو سلطات تذكر. باختصار إنهم ينتحرون وبغباء وحماقة.
محمد علي محسن
لا تغرنكم الحشود.. الانقلابيون ينتحرون!! 1129