حرب شرسة على الوطن، أسلحة فتاكة، الراجمات والصواريخ والمتفجرات تستهدف البشر والحجر الأرض والعرض، وهناك ما هو أخطر سلاح يستهدف الإنسان في عقله وقيمه، يستهدف الوطن في تنميته السياسية والديمقراطية وتوافق القوى السياسية، حرب نفسية تستهدف معنوية الإنسان، إرهاقه وإهلاكه ثم تطويعه، لإقناعه بفكرة أو شحنه وتعبئته بوهم ليصبح جاهزا ككرت للاستخدام، حرب تستهدف جيلا بل أجيالا تشحن بالحقد والضغائن تعيش صراعات عفا عنها الزمن، إنه مخطط جهنمي أدواته شياطين في الأرض وسلاحهم الإشاعة.
البحث عن الحقيقة هي أنبل وأعظم مهمة يمكن أن يتبناها المرء في حياته ويعيش من أجلها، وتغيبها فكرة مدمرة ترسي الكراهية مسخّرة الإشاعة لسطوتها، وفي الواقع فإن الشائعات بأنواعها المختلفة رقطاء تنفث سمومها في المحيط وإذا لم يتكاتف الجميع في مقاومتها ودرئها فإنها تحطم الروح المعنوية التي هي أساس كل نجاح في المجتمعات الإنسانية.
من هذا المنطلق تجد من يبحث عن الشائعة، وينمقها ويروّج لها ويعيد نشرها، معلومة مزورة أو صورة مفبركة، فيها مبالغة أو خلق أخبار لا أساس لها من الصحة، بهدف التأثير على الرأي العام تحقيقاً لأهداف متنوعة، أو كعامل ضغط لتنفيذ مخططات مبيتة من جهات معينة.
من قلة عقل البعض ليقول إنه علماني لابد أن يهاجم كل ما هو ديني وإسلامي، والعكس يهاجم الإسلامي العلمانية ليقول إنه يحمي الإسلام، والعلمانية لا تمنعك من الاعتقاد بالدين أو الفكر الذي تريده، لكنها ستقف ضدك إن حاولت الاعتداء على فكر غيرك، وهكذا الإسلام في نصوص القرآن، وهناك ما هو أمقت إشاعة تحرض لفتنة مناطقية أو طائفية.
وإذا بهم جميعا دعاة فرقة وشتات بصراع دائم وتناحر، مروجين للإشاعات، مغيبو الحقائق، صانعي الفتن والصراعات المدمرة، شاحني البشر والجيل بمزيد من الأحقاد والضغائن، إنه الإرهاب، مهيئين البيئة الحاضنة له والفرد المستقبل لأفكاره،رانه الخطر المحدق بالوطن، بعضهم يعمل بوعي، والبعض الآخر مريض نفسيا وإنسان غير سوي، فالسوي يبحث عن الحقيقة، والغير سوي لا تهمة تلك الحقيقة، يهتم بالمعلومة التي تخدم قناعاته ورغباته المريضة في شيطنة الآخر وتشويهه، والتحريض ضده وتعبئة خاطئة عنه ليكون مستهدفا من الآخرين، مثيراً لفتن مدمرة تساهم في تأجيج الصراعات والحروب وإرهاب الآخر، هذا نوع واهم في حقيقة مسيطرة علية، موجودة مسبقا في عقله المشحون بالحقد والضغائن والأحكام المسبقة، هو مشكلة للوطن والمجتمع بل أم المشاكل، ومرض عضال يصيب الوطن بمقتل، لن يتعافى دون مقاومته والتصدي لفيروسات هذا الداء، أخطرهم المثقفين والأكاديميين الذي يشتغلون على الإشاعة بقدرة فائقة، وبحكم موقعهم في تنوير العقول يستغلونها في تغرير وتشويه العقول، مفسدين فساد ثقافي وأخلاقي اخطر أنواع الفساد، وجرائم مرتكبة بحق المجتمع، لان نتائجها وخيمة، وتداعياتها كارثية، تظل أثارها في جيل وأجيال.
الوطن بحاجة ماسة لدولة ضامنة للحريات والعدالة والمساواة وهذا يحتاج لتكون الحقيقة متاحة، والقضاء مصدر الاتهام والإدانة، لنصون المجتمع من الإشاعة والانحطاط الأخلاقي والقيمي، الأخلاق ليست مغروسة في الإنسان منذ الولادة بل هو صناعة اجتماعية وتربوية، وتغيير المجتمع يبدأ بالأخلاق،وهو مؤشر التغيير الايجابي من التغيير السلبي، كما قال الشاعر العربي الكبير احمد شوقي ( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا).
أحمد ناصر حميدان
الشائعة وشيطنة الأخر 1327