جاء الراحل إبراهيم الحمدي إلى الحكم، وهناك شبه مؤسسة جيش قائمة، وهياكل إدارية لأجهزة الدولة بمختلف المسميات، فأنشأ جهاز تصحيح معني بمحاربة الفساد، عجز عن فعل ما كان يحلم به الشهيد الحمدي، خلال أكثر من 3 سنوات من حكمه.. بل دفع حياته ثمناً لذلك .
اليوم، اليمن انكشف على اللا شيء، فقد تم تدمير ما بني خلال سنوات ما قبل صالح وجرى إفساد كل شيء، فأقام جيشاً وأجهزة أمن بولاءات شخصية وقبلية ومناطقية، وطائفية.
أفاق اليمنيون على زلزال في 21 سبتمبر الأسود، وأصبح كل شيء بيد ميليشيات قاتلت الدولة في ستة حروب، وبعدها حصلت على الجائزة، من صالح نفسه الذي كان يشن الحرب بمكالمة ويطفئها بأخرى.
لم تكن المشكلة، لا في الحوار، ولا في نتائجه مهما كانت ولا في الأقاليم، كما يحاول البعض إيهامنا بطريقة تفتقد لأبسط منطق، بل في مزاعم " الاصطفاء" و"الأحقيات" الأخرى المتغطرسة، التي التهمت الدولة ومؤسساتها وتحولت إلى ذراع للص وقاتل يعبث بالبلد كيف يشاء ومتى شاء.
هذا المشهد مكرر وإن بصيغة أخرى لما حدث عقب توقيع وثيقة العهد والاتفاق، وإشعال صالح ونظامه حرب 94 ضد الجنوب.
اليوم، مطلوب من سلطة شرعية أن تفعل الكثير: أن تقاتل الميليشيات وتبني جيشاً وجهازاً أمنياً جنباً إلى جنب، وأن تمنع حدوث اختراقات في بلد تركه صالح خرقة (مهلهة)، تمزقه حروب وصراعات وانقسامات عميقة، لم يأت هذا الانفجار الكبير إلا كخاتمة طبيعية لسياسات عبث وتخريب ممنهج مارسها حكم إجرامي طيلة أكثر من 3 عقود.
طوال هذا الوقت جرى تدمير كل شيء، وجاءت الميليشيات الطائفية بمخطط إيراني يريد الإجهاز على اليمن، وبناء دولة طوائف كتلك التي تعمل الآن في سوريا والعراق.. البلدان اللذان يستعدان لتنفيذ أسوأ المخططات التمزيقية.
أرادت إيران "إكرام" اليمنيين بنموذج "ثورة" الخميني الطائفية، وتصديرها إلى دول الجوار، بعد إسقاط "العاصمة العربية الرابعة " والوصول إلى باب المندب، كما قال علي شمخاني وزير دفاع دولة الميليشيات الإرهابية، إيران..
هذا هو الجحيم الذي صممه صالح رفقة حلفه الطائفي، لاستعادة "سلطة" السيطرة على بلد وصل تملكه المتوهم، حد الشعور أنها أصبحت جزءاً من ميراث أبيه وأب "الحوثي" الصغير .
كل ما يجري من حرب وانفلات هو نتيجة هذه الأطماع الإيرانية القذرة وسياسة وأطماع ذراعها الارهابية ممثلا بالحوثي صالح..
ماذا تبقى من الأجهزة إذا؟
هناك بطء ملاحظ في أداء هادي وحكومة بحاح، لكن أحدا لا يعرف كيف يمكن لسلطة لا تتوفر على مال كافي، أن تبني كل شيء من الصفر؟
كيف تستطيع منع اختراقات أجهزة بنيت طوال عقود أصبحت ملحقة بقاطع طريق ولص، وكيف يمكن وقف الإنفلات بأجهزة في طور النشأة؟
كيف تستطيع أن تحارب وتبني جيشاً، وأجهزة، وتحاول استعادة بلاد في نفس اللحظة..؟
عندما أرى وحدات الجيش الوطني، أشعر بأن جهداً كبيراً بذل لإعدادهم من السلطة والتحالف، وهذا لا يعني أن السلطة الشرعية، بلا أخطاء، بل هناك أخطاء فادحة، لكن عندما نضعها في سياق الظرف والتحول، أعتقد أننا سنقرأ كل شيء بصورة أكثر منطقية.
ينسى كثيرون أن شرعية الرئيس تطبع المشروعية على جميع قراراته، مادامت الرئاسة هي الهيئة الوحيدة الشرعية المتبقية، وبالتالي فإن هذه الأدوات التي قررت الاستعانة بها، بدءا من المقاومة الشعبية وانتهاءً بتشكيل وبناء وحدات الجيش الوطني، هي أدوات ومؤسسات شرعية.
تصبح هذه "المؤسسات" هي المكلفة بحماية البلاد واستعادة الدولة، حتى تنتهي الظروف القهرية، وتعود الأمور إلى نصابها، طالما كانت تعمل ضمن أهداف استعادة السلطة الشرعية وبسط سلطة الدولة على الأرض.
المقاومة الشعبية ليست حالة دائمة، هي مرتبطة بظرف، وبمجرد زواله تنتهي.
ثم هناك قرار رئاسي باستيعابها في تشكيلات الجيش الوطني وقد انضم الآلاف، لكن هذا لا يعني أننا سنتخلص من أي مشاكل لاحقة ..
لاشك سنواجه متاعب على هذا الصعيد، لكن ذلك تحصيل حاصل، لوضع فرض على الناس، ومازالت أدوات السلطة هي نفسها مخلفات صالح ومنظومة فساده وذهنيته تدير المشهد، وهذه النقطة الحرية بالنقد الشديد.
في الحروب الستة قاتل صالح الحوثيين جنباً الى جنب التشكيلات القبلية، ومؤسسات الدولة المفترضة قائمة، وكانت الخطوة مبنية على تقديرات غير وطنية ولها علاقة بفكرة مضاعفة التمزق في النسيج الاجتماعي .
والآن يتم الانتقاص من المقاومة الشعبية والجيش الوطني وقد أصبحت كل " مؤسسات البلاد " ملحقة بيد عصابة، ويتم مساواتها بالميليشيات، رغم نبل الهدف ومقاصدها الوطنية...
لا أدافع عن هادي وحكومة بحاح فهؤلاء لا نبخل عليهم بكل صيغ النقد القاسية، لكن مساواتهم بالميليشيات، يعيدنا مجددا الى الدفاع عن الشرعية مهما كانت مساوئها مقابل لفيف من العصابات وقطاع الطرق.
قد تحدث أخطاء وهذا متوقع في ظروف متشابكة ومعقدة الى هذا الحد، لكن هذا الجيش والمقاومة يتصدون لمهمة استثنائية وتاريخية في حياة البلد .
أن يتم وضع جيش وطني ومقاومة شعبية تشكلت للدفاع عن السلطة الشرعية وعن اليمن كجغرافيا ووطن للجميع في سلة واحدة مع الميليشيات الطائفية التي قتلت ودمرت وأشعلت حربا أهلية، فهذه جريمة إضافية بحق اليمنيين.
هذا المضمون الذي يسوقه البعض هو تطابق حرفي مع الدعاية السوداء التي يروجها خطاب الحلف الطائفي ووسائله الممولة إيرانيا، وإذا أردتم الأدلة عودوا لخطابات المخلوع ووسائله طوال فترة الحرب.
سيظل خطابا كهذا دعاية لا أقل ولا أكثر، حتى لو وقع في فخها نشطاء وحقوقيون مزعومون أو كاتب بحجم الزميل سامي غالب..
عبدالعزيز المجيدي
الدعاية في مواجهة الجيش الوطني 1039