لا أعتقد أن الأمور ستكون بتلك السهولة. الحسم العسكري، سيجعل أتباع الحوثي صالح يستميتون، ويقاتلون حتى آخر لحظة.. مشهد المعركة معقد ومتداخل، لكن هذه الاحتمالات قد تحدث بصورة أو أخرى إن مضى خيار الحسم العسكري إلى نهايته.
القبائل، يمكن أن تنتفض في أي لحظة مع وجود إغراء وهذا ثابت في تاريخ القبيلة، حيث الجانب النفعي المباشر يمثل محدداً رئيسياً للدخول في تحالف وأحياناً يمثل بديلاً في حال التخلي الاضطراري عن الروابط العصبوية تحت ضغط الأمر الواقع.
حدث ذلك بصورة معكوسة أثناء تحضير صالح الحوثي للسيطرة على صنعاء .
ستحتاج السلطة الشرعية إلى فتح خط ساخن مع الزعامات بواسطة شخصيات موثوقة وذات مصداقية من أبناء هذه المناطق، تتولى تفكيك التحالفات في معسكر الحوثي صالح وتمزيقها بصورة لا علاج لالتئامها مجدداً على الأقل في المدى المنظور.. يبدو أن أمراً كهذا قد بدأ أو أنه يجري الآن .
غير ذلك هناك الكثير من أبناء القبائل الذين تعرضوا للظلم وجرى ملاحقتهم، وتشريد ذويهم، وهؤلاء ينتظرون لحظة الانقضاض على الميليشيات ومعسكرات صالح في مناطقهم بمجرد، وجود غطاء عسكري للجيش الوطني.
في نفس الوقت هناك آلاف المقاتلين من أبناء هذه المناطق من أفراد المقاومة الشعبية والجيش الوطني يلعبون دورا محوريا في الانتصارات التي يحرزها الجيش على تخوم العاصمة.
لقد تضرر من وجود هذه العصابة جميع اليمنيين في كل مكان، وليس هناك بيتاً واحداً نجا من آثار الدمار المادي والاجتماعي والنفسي لهذه الميليشيات.
هؤلاء سينتفضون سواء كانوا في الأرياف أو المدينة، ما سيحوّل الحاضن الاجتماعي المفترض إلى ما يشبه حزاماً ناسفاً يحيط بالميليشيات، وهنا ستبدأ الانهيارات تتوالى.
لكن في المقابل هناك الآلاف الذين سيصمدون في المعركة: المتعصبون، والعقائديون الذين تعرضوا لتعبئة كراهية، ويخوضون المعركة بوصفها وعداً غيبياً بالنصر، وسبباً لخروج "المهدي المنتظر" وفقا للأسطورة السائدة في التعاليم المذهبية، وأنصار منطق " الأحقية بالحكم".
ثم إن المعركة بطبيعتها لا تتيح خياراً، فالتسليم يعني الانتحار، وفقدان كل شيء، لكن القتال في هذه الحال هو الخيار الوحيد باعتباره، خيار " الشرف " وفقا للمفاهيم التقليدية، حيث الخيار العدمي للموت، دون الهدف أشرف وأخف وطأة لمقاتلين يعتقدون أنهم ذاهبون إلى الجنة، وبحوزتهم المفاتيح.
في هذه النقطة سيكون الرهان على غزارة سفك الدماء، وكثافة الدمار، خصوصاً إذا قرروا القتال حتى آخر لحظة وحولوا المدنيين إلى دروع بشرية.
في الأثناء، ربما يراهنون على شكل من الضغوط الدولية من المتوقع أن تقودها القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا، من أجل تسوية سياسية، لأن الحسم، ليس في صالح حسابات تسعى إلى بناء توازنات ترسم خطوط العلاقات " الطائفية" في بنية المجتمع اليمني، واستيعاب ملامحها في السلطة السياسية التوافقية.
إن لم تفض الضغوط الدولية المتوقعة، لإيقاف الحسم العسكري، فسيعملون من أجل خوض معركة دامية وفادحة تجعل إيقافها وتدارك صفقة سياسية بمستوى ما ضرورة سياسية إقليمية ودولية، أكثر إلحاحاً..
لكن علينا أن لا نغفل الآليات التي تتبعها القبائل في تسوية الصراعات، فقد نشاهدها مجدداً تفرض نفسها على المسار العسكري والسياسي، مستفيدة من أعراف تبقي شكلاً من التواصل الاجتماعي، الذي يصبح في لحظة ما بمثابة مخرج طوارئ يساعد أحياناً في حقن الدماء، وتوفير شكل من الضمانات "لمراضاة" "المهزوم" بما يكفل له مخرجاً مشرفاً إلى حد، لكن هذه الطريقة غالبا تبقي بذرة للمشكلة في المستقبل!
غير أن هذا الأمر قد لا يكون فعالاً تماماً في مواجهة " العقائديين" وارتباطاتهم بإيران، الدولة التي استثمرت لعقود للوصول إلى هذه اللحظة، فهؤلاء سيكونون بمثابة انتحاريين، يرفضون أي حلول، تجعلهم أمام شكل آخر من الاستسلام، حتمي ولا مفر منه.
تريد إيران معركة أعنف وأطول، تستنزف اليمنيين، وتبني جدراناً من الكراهية بينهم، بصورة تضمن لها الإبقاء على ذراع كامن، يصعب بناء تسوية من دونه، غير ذلك تريد استنزاف دول الجوار، وذلك ما يمكنها من مقايضة تجعلها صاحب الحظوة في ترتيب ملفات مختلفة على رأسها الملف السوري..
سيحدث ذلك بالطبع ضمن متاحات دولية ترغب في دور إيراني أكبر في المنطقة، من خلال سياساتها الطائفية، دورا يساعد في تعميق الانقسام في التركيبة الديمغرافية لدول المنطقة.
ويبقى كل شيء محتملاً، لكن الحسم في صنعاء سيطفئ بقية المناطق حتما وسيفضي إلى إنهيار تام في بقية الجبهات باعتبارها مركز التحكم والسيطرة والمال.
غير أن سؤالاً مهماً يظل قائماً: هل تستطيع قوات الجيش والمقاومة تحرير صنعاء، قبل أن تخلّص تعز المحاصرة والمنكوبة؟
ربما تظل تعز ملفاً مفتوحاً، إذا قرر اللاعبون، إعادة لملمة المركز أولاً، ليسهل ترويض الأطراف، كي لا تكون اللاعب المؤثر في ترتيبات شكل الدولة وتركيبة السلطة مستقبلا.
لكن البسطاء ينتظرون بيان الخلاص من أي بقعة، فالانتصار هنا أو هناك يمثل أملاً للجميع بنهاية أسوأ مرحلة مرت على اليمنيين في تاريخهم الحديث، ولن يستطيعوا الإفلات من ذيولها في المستقبل بسهولة.
من صفحته على الفيس بوك
عبدالعزيز المجيدي
سيناريوهات الحسم..معركة صنعاء وملف تعز 1174