الحال الذي نعيشه كيمنيين حال شاذ ووضع غير طبيعي عندما يتعرض طرف للإبادة أو العدوان، فإن الطرف الثاني يصفق ويهلل ويكبّر ويعتبره نصراً تاريخياً، وهذا السلوك ليس مقتصرا على طرف بعينه ولكن على كل الأطراف، فعندما سقطت حاشد بيد الحوثيين لم يكن انتصاراً مصيباً على مخطئاً وتمضي الأمور، ولكن تبعه انتقام وتهديم للبيوت وقتل للأشخاص، وكذلك عندما سقطت عمران تم النهب لأسلحة الدولة كاملاً ونقلت إلى صعدة وكأنها دولة أخرى وأسر قائد اللواء 301 وقتله بالأسر بأسلوب بشع وقطعت أطرافه تشفيا، رغم أن الأعراف القبلية وأخلاقيات الإسلام لا تسمح ذلك.
وعندما سقطت صنعاء تم التشفي من كل مخالف للحوثيين وصالح، فنهبت الفرقة وجامعة الإيمان، ودخل الخصوم إلى غرف النوم ولم تحترم الخصوصية وكان الموالون والمتعاطفون يصفقون ويعتبرون ذلك فتح مبين، تبعها حجز حريات الأشخاص والهيئات والمؤسسات الإعلانية ونهب أملاك صحيفة "أخبار اليوم" ومؤسسة "الشموع" وغيرها من المؤسسات، وعندما رأت قبيلة ارحب تجنب الخسائر الكبيرة التي سينتج عنها بسبب المواجهة المسلحة وقررت عدم المواجهة لم يشفع لها موقفها هذا من ان تدفع فاتورة كبرى من دماء ابنائها وأرواحهم وممتلكاتهم وقتل الكثير منهم دون مقاومة منهم، حتى المساجد ودور القرآن هدمت في حقد عجيب لم يشهد التاريخ له مثيلا، ثم انطلقت الفتوحات إلى المحافظات، فوصلت إلى البيضاء وإب، فأول ما بدأت به تدمير مساكن الخصوم وقتل المعارضين او أبنائهم كما حصل مع الشيخ الدعام بالرضمة والشيخ بدير في يريم.
اما في البيضاء وبالأخص في رداع فحدث ولا حرج، حتى الطائرات الأميركية بدون طيار شاركت معهم بالقصف ولم يقولوا هذا تدخل خارجي وانتهاك للسيادة نرفضه، ولكنهم اعتبروه من بركة السيد وتسخير من الله لهم، وكذلك ما حصل ويحصل في مأرب، وأخير جيشوا على تعز رغم الحالة الأمنية المستقرة فيها فأشعلت ثورة شعبية عارمة فيها بسبب سلوكهم المنافي للأخوة وللمواطنة المتساوية، ثم انطلقوا إلى المحافظات الجنوبية في نشوة عجيبة.
كل هذه الأعمال بدعم من الألوية العسكرية التي يفترض انها وطنية تحمي السيادة وترفض الانحياز لأي طرف من الاطراف المتصارعة، وخاصة ألوية ما كان يسمى بالحرس الجمهوري، وكان الناس يناشدون هذه القوات الوقوف على مسافة واحدة من الجميع ولكن دون جدوى، لان تركيبتها مختلة، وكان وصول الطائرات الإيرانية الى المطارات اليمنية بما تحمله من معدات وعتاد منجز من منجزات ثورة ٢١ سبتمبر وليس تدخلا سافرا على السيادة الوطنية.
وعندما انقلبت الكفة وقامت الدول العربية العشرية، بمهاجمة مواقع هذه القوات اليمنية وتدمير المطارات العسكرية وإنهاء البنية التحتية التي هي بالأساس يفترض أنها ملك الوطن كله، وما خلفه من دمار شامل تعود آثاره كارثية على الجميع وبالدرجة الأولى على من كانوا بالأمس مسيطرين لا يرقبون في إخوانهم من أبناء وطنهم إلا ولا ذِمّةً.. انقلبت الموازين والمشاعر والمناشدات، فمن كان بالأمس منتشيا بالنصر ولا يسمع لصوت العقل والمنطق والأخوة والمواطنة المتساوية أصبح اليوم يناشد اليمنيين الوقوف صفا واحدا ورفض التدخل الأجنبي، وإدانة انتهاك السيادة الوطنية ووصف من يرضى بذلك بالخيانة والتفريط بوطنه وعرضه.. وبالمقابل أصبح من كان بالأمس يرفض التدخل الخارجي ويناشد إخوانه التوقف عن الجرائم بحق المستضعفين، أصبح يبارك هذا التدخل الخارجي ويعتبره نصرا لليمنيين ونعمة كبرى لإنقاذ الشعب اليمني، ولا ينظر أن ذلك خسارة على شعب بأكمله، وأن هذه البنية التي تدمر بنيت على حساب قوت هذا الشعب المغلوب على أمره، وأن إعادة بناء ما دمر سيحتاج عشرات المليارات، فضلا عن الأرواح التي تزهق والدماء التي تسيل والتي لا تعوض، منتصري الأمس يشعرون اليوم بمرارة المعاناة وقسوة الهزيمة، بينما مهزومي الأمس يشعرون اليوم بمتعة التلذذ بهزيمة الخصوم الذين أذاقوهم من نفس الكأس، في معادلة عجيبة لا توجد إلا في اليمن، وأصبح الوطن والوطنية شعارات خالية من المعاني السامية التي يجب ان يتحلى بها أي مواطن، ولكل ما ذكرت آنفا أسباب جوهرية أوصلت المواطن اليمني الى هذه الحالة الفريدة من المشاعر المتناقضة، فمن هذه الأسباب :
- الظلم المتفشي في أوساط المجتمع.
- عدم المواطنة المتساوية والتعامل مع أبناء الوطن بحسب الانتماء الطائفي والمناطقي.
- عدم احترام القانون، واعتبار القرابة والشللية هي الأساس في إعطاء الحقوق والوظائف والتعينات.
- عدم بناء الجيش والأمن بناءً وطنياً، بل غلبت على تركيبته المناطقية والطائفية والشللية، والولاء الأسري، فلم يعد جيشاً يمثل وطناً، وأصبحت بعض المناطق تخشى هذا الجيش اكثر من خشيتها من الغزاة.
- الإقصاءات والتهميش لمعظم مناطق اليمن وبقاء النفوذ والاستحواذ على السلطة والثروة بيد منطقة او مناطق محدودة على حساب مناطق اليمن الاخرى .
- وصول النخب وقيادات الاحزاب الى حالة يأس من التغيير مما جعل معظمهم يتعايشون مع الواقع المر مقابل مصالح شخصية وفئوية تافهة لا ترتقي الى مستوى الطموح الوطني.
ساعد في استمرار الحال بل وتدهوره: ضعف البديل للرئيس السابق ووجود قيادات حزبية ضعيفة لم تكن بمستوى التغيير بالإضافة للتركة الثقيلة والعصابة العميقة في الوطن ( وليست الدولة العميقة) لانه لم يكن لدينا دولة بالمعنى المتعارف عليه عالميا حتى نقول دولة عميقة .
موقفي من كل التدخلات السابقة واللاحقة موقف الرفض المطلق لهذه التدخلات لإدراكي بحجم الكارثة على الوطن، ولكن موقفي هذا لا يقدم ولا يؤخر امام المزاج العام للشعب اليمني من كلا الطرفين، ولا يمكن إصلاح الوطن وإيجاد شعور وطني متجانس وصادق الا بإصلاح كل الاختلالات التي ذكرتها في البنود السابقة إصلاحا جوهرياً حقيقيا دون التفاف او تحاذق، فأي وطن لا يسوده العدل والمواطنة المتساوية ولا يسور بالعدل واحترام الحقوق لكل ابنائه بغض النظر عن مذاهبهم ومناطقهم وألوانهم سيبقى وطناً هشاً يسهل افتراسه من الخرج، مع ضرورة بناء جيش وآمن يمنيين متشكلان في قيادتهما وجندهما من كل مناطق اليمن بنسب علمية دقيقة ولاءهما لله والوطن وليس لأسرة أو منطقة أو مذهب.
ايها العقلاء من ابناء هذا الوطن: ان الهند وهي متعددة مئات الديانات والأعراق واللغات تعيش عدلا ومواطنة متساوية بين جميع طوائفها وأعرافها وألوانها لأنها احترمت الدستور والقانون وأدركت انه لا يمكن لجماعة ان تسطير على وطن دون سائر الجماعات مهما امتلكت من وسائل الغلبة، وكذلك أمريكا وكل الدول الأخرى، فأمام القانون لا يسألون مواطنهم او حتى المقيم بينهم من غير أبناء وطنهم، لا يتعاملونه عن الجنس أو اللون أو الدين أو العرق ولكن وفقا للقانون والقانون فقط، فما بالكم بنا نحن ابناء الشعب اليمني ونحن جميعنا أصلنا واحد وديننا واحد، ولا توجد بينتا طوائف ومذاهب متنافرة، نصلي خلف بعضنا لا يمنع ذلك مذهبا أو فكرا، تربطنا مصاهرات وعلاقات، لماذا لا نستفيد من الاخرين ونؤمن يقينا ان العدل هو أساس استقرارنا وان المواطنة المتساوية أساس قوتنا أمام العواصف، وان البحث وراء الاستقواء على الآخر ما هو إلا ضعف مهما بدا لبعضنا أنه قوة، فالشعب اليمني قد أنجز مخرجات حوار عبر نخبه توافق عليه الجميع لنبارك ذلك كمخرج للحالة الخطرة التي قد تؤدي بنا جميعا الى الهاوية ولن يكون هناك منتصر ومهزوم، ولكننا جميعا سنكون مهزومون، مهما اعتقدنا ان الداخل او الخارج سينصرنا على الآخر فهذا وهم كبير، والأقاليم هي أيضا سيكون فيها كثير من الإنصاف لان تتشارك كل مناطق اليمن في السلطة والثروة وبالإمكان اجراء تعديلات طفيفة عليها كإيجاد منفذ بحري لإقليم أزال، مع التركيز على جيش وطني قوي يحمي الوطن من التفكك ومن اي اعتداء على سيادته .
اللهم إنك تعلم أني حاولت جاهدا ان أدون ما ألمسه من الواقع المر بحيادية ما استطعت، ليس بدافع مناطقي او مذهبي أو أي من الأمراض، ولكني تجرأت إلى حدٍ ما ملا مسة هذه الجراح والأمراض لأسلط الضوء عليها ليسهل علاجها من قبل العقلاء والمنصفين ومحبي الوطن، فإن أصبت فاللهم أثبني اجر الإصابة وان اخطأت فلا تحرمني من اجر المحاولة .
اللهم احفظ بلادنا ووحد كلمتنا واهدنا الى الطريق المستقيم.
محمد مقبل الحميري
لمن يسأل عن موقفي من التدخل الخارجي 2442