صرنا مسخرة وفي معظم فضائيات وصحف ومواقع تواصل، فلا نتعب أنفسنا يا خبرة في البحث عن ضحية وكبش فداء كي نحمله مشكلاتنا! قيل بأن البيت يُعرف من عنوانه، ونحن للأسف رحنا نبحث عن الحل خارج سياق التاريخ والجغرافيا والواقع؛ فكان مآلنا هذه الحالة المزرية المشوهة التي نستنكرها الآن وكأنها وليدة العدم أو قولوا الشيطان.
الحُكم الذي يستهل عهده بديكتاتورية غاشمة لا ينبغي التعويل عليه كحُكم ديمقراطي منقذ للبلاد والعباد.. الثائر الحقيقي لا ينهب، لا يستولي، لا يسرق، لا يكذب، لا يرهب، لا يظلم، فهذه جميعها صفات تنطبق على اللصوص وشذاذ الآفاق والمرتزقة.
لماذا علينا الانتظار؟ فليس هنالك ما يستوجب منا الانتظار، فهذا السيد عبد الملك وتلكم مليشياته المسلحة، والسيد والجماعة فعلهما يكذب خطابهما، والاثنان معا قوة غاشمة متخلفة ديدنها القوة والبطش والاحتقار والفوضى.
في مؤتمر الحوار الوطني ظهرت لنا الجماعة كحاملة للواء الدمقرطة والحداثة، لم يكترث أحد بمسمى " أنصار الله " فلسان الكل: كلنا أحباب الله، فما الضير في أن تسمي الحوثية جماعة الله وتصبح "أنصارا لله". كان الاعتقاد السائد وقتها أن العبرة ليست في المسميات بقدر ما هي بالمحتوى والجوهر، لأشهر والانصار أكثر حماسة للفدرلة الثنائية، ولتقرير مصير الجنوب من ممثلي الحراك ذاتهم الذين انقسموا ما بين مؤيد لفدرلة سداسية وخماسية وبين مطالب بثنائية إقليمية.
بعد اجتياح صنعاء في 21 سبتمبر لم يعد السيد وأنصاره يتحدثون بسوى الرفض للفدرلة السداسية أو الثنائية؛ فكلاهما من وجهة نظرهما ليست إلا تمزيقا للوطن وتفريقا لمجتمعه الذي لم ينعم وطوال تاريخه القديم أو الحديث بأي استقرار سياسي ومجتمعي.
ثورة الأنصار كان مستهلها إسقاط رموز الفساد؛ فماذا كان فعلها حيال الفساد ورموزه؟ الانغماس في الفساد ومشاطرة رجاله ولدرجة أننا لم نعد نسمع عن مليارات الدولارات التي هي بحوزة الرئيس المخلوع وأقربائه وسدنته.. لكأن المقصود برموز الفساد هم علي محسن وحميد الأحمر وعداهما أناس شرفاء أطهار.
فأغلب رموز الفساد ينعمون بثروة طائلة وبحماية من السيد وأنصاره وفيما الشعب العظيم – وفقا وتعبير السيد – يكابد الجوع وضنك العيش اليومي، فيكفي الإشارة هنا إلى آخر تقرير للمنظمة الإنسانية الدولية والذي أشار صراحة إلى أن ما نسبته 61% يرزحون لوطأة الفقر أي أن 16مليونا يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
السيد وأنصارها اغد قونا بالكلام عن الوصاية الخارجية، ومعهم كل الحق فاليمنيون بات وطنهم وكرامتهم وحتى وجودهم عرضة للانتهاك الخارجي المعيب والمهين؛ لكن حتى هذه الوصاية يقصد بها ربما تركيا والسعودية أو حتى قطر الدولة التي نعلم جميعا بماهية دعمها للجماعة وأتباعها وكذا المتضررين من حروبها الستة.
وإزاء هذا التنطع الثوري حيال الخارج نجدها بالمقابل متسامحة وقابلة بهذه الوصاية إذا ما كانت من جهة إيران أو النظام السوري أو حزب الله أو حتى الشيطان الأكبر "امريكا" فهذه كافة صارت في كنف الإمام وجماعته قوى ملائكية داعمة للمسيرة القرآنية ومليشياتها الغارقة في الرجعية والكهنوتية والميثولوجية.
المسألة الأخرى وهي مهمة وتتعلق هنا بالدولة ذاتها، فمليشيات السيد يوما عن يوم تزيد شراهة وطمعا على كل ما له صلة بمؤسسات وموارد وقوة الدولة، فهي وكلما زاد نفوذها وسطوتها كان ذلك حساب الدولة وما بقي منها من مال وقوة ونظام.
ففي وقت قصير للغاية صارت الجماعة ملهمة محفزة للجماعات القبلية والمناطقية والمذهبية والفوضوية كي تستأثر وتستولي وتغنم هي الاخرى بما غنمته وأستأثرت به الجماعة.وهذه الافعال وحدها كفيلة بإزالة الغشاوة عمَّن يظن ويعتقد بان المليشيات القبلية والمذهبية والجهوية يمكنها إقامة دولة حديثة ومستقرة.
فمثلما فعلت مليشيات الحوثية الثورية الجهادية في صنعاء وعمران وصعدة وذمار والبيضاء وسواها من المناطق ها هي القاعدة ومجاهدوها تستولي وتنهب عتاد المعسكرات، وها هي القبائل وحميتها الجاهلية تستنفر قواها كي تغنم الدبابة والكلاشينكوف والهاون، وها هي المناطق والأقاليم تتحرك وتسير وعلى ذات المنوال الذي أوصل الحوثية وأشياعهم من كهوف وقُبل صعدة وعمران إلى رأس السلطة في البلد.
محمد علي محسن
ويحدثونك عن ثورة وحداثة!! 1442