ما حققته الحوثية في سنوات ها هو يذهب ويتبدد وفي أيام معدودة.. السلطة بكل تأكيد تفقد العقل لبابه؛ فكيف بدعوة فقهية دينية إصلاحية طائفية ومن ثم تجد ذاتها في خضم ثوري سياسي تاريخي ديمقراطي وطني دولي يتصادم في معظمه مع دعوة السيد حسين وأتباعه الميامين المنقلبين على تراث الزيدية الموشك على الاندثار والطمر بفعل زحف فكر الصحراء الواصل إلى عقر دار الإمام الهادي "صعدة"؟
المؤكد أننا إزاء حالة عجيبة غريبة وفي زمن انتفت فيه العجائب والغرائب.. فهذه الدعوة- وبقدر ما كسبها حروبها مع النظام الأسبق وجيشه تعاطف الكثير من اليمنيين- ها هي الآن في مواجهة غالبية اليمنيين وبعيد أن صارت في موضع الآمر الناهي الذي لطالما اكتسبت شعبيتها من وقوفها بوجهه كسلطة فردية عائلية قمعية فاسدة مستفردة بكامل القوة والمال والقرار.
عبد الملك ليس مؤهلاً كشقيقه الراحل الشهيد حسين، فعلى أقل تقدير كان حسين يحمل فكرة وقادة ملهمة لأتباعه المأسورين بدعوته وأفكاره الخارقة لرتابة الفكر المعتزلي الذي عُرف تاريخا بكونه فكرا حيويا ومتجددا لا يقبل الجمود والانغلاق وفي كل الأحوال والظروف.
مأساة الشقيق الأصغر أنه وجد ذاته مضطرا لحمل فكرة الإمامية الجمهورية ودونما اعتبار للمؤهل أو البيئة الحاضنة، النتيجة بالطبع ثورة عارمة ليس لها من فكرة جامعة غير اتباع انموذج حزب الله وصاحبه السيد حسن نصر الله، الخطيب المفوه، والمحارب العنيد، الذي نجح وقتا بتسويق ذاته كملهم ومقاوم شرس لإسرائيل.
فهذه قناة "المسيرة" بمثابة "المنار" وذاك محمد با سندوه يماثل فؤاد السنيورة في إجهاشه بالبكاء وفي رئاسته لحكومة فسيفساء لا جامع لها سوى الإخفاق.. ما غفله عبد الملك هو أن جنوب لبنان غير شمال اليمن.
فكتائب السيد ربما أفلحت في تأجيج الشارع العربي لبرهة زمنية، كما وتسببت كتلة السيد في تعطيل أداء الحكومة وشل البرلمان التوافقي الطائفي؛ لكنها - وهذا ما بات مؤكدا وواقعا – تسببت في خنق بلد برمته، فضلا أن ثورة الشعب السوري يحسب لها فضح وغشي ما كان مستترا وخافيا خلف الخطب العصماء الملهبة لمشاعر العرب المخدوعين حقبة بالسيد حسن وحزبه الطائفي.
أياَ يكون الأمر؛ فالسيد عبد الملك ربما نجح في إسقاط الحكومة وإن كان بداعي الجرعة السعرية، ومع ما أحرزه في الواقع من نتائج لم تكن بحسبان أكثر المتفائلين من أتباعه وأنصاره الذين هم هنا خليط ولفيف جامعهم الأوحد مطلبي أكثر من اعتباره ثورياً وسياسياً ويتعلق بفكرة التغيير.
نعم سقطت الحكومة ومعها سقطت العاصمة وما بقي فيها من شكل سلطة ومؤسسة، الحصيلة بالطبع كانت مهولة وصادمة لعبد الملك ذاته، فلم يمض على تنحية الرئاسة والحكومة سوى أيام معدودة كي يكتشف السيد وأنصار الله بأنهم قد استدرجوا إلى موضع هو أكبر منهم ومن قدرتهم، بل وأكثر من ذلك إذ أنهم سيجدون أنفسهم في نهاية المطاف سيذعنون بكونهم قد فشلوا وأخفقوا في تحقيق أي من الفكرتين، فكرة الاستنساخ لتجربة السيد حسن أو لجمهورية الإمام الخميني.
نعم.. فمشكلة السيد عبد الملك وأنصاره أنه لا الجغرافيا ستساعدهم في تكرار أنموذج حزب الله أو أن الفكرة الدينية ستجعلهم يسيطرون على اليمن كملالي إيران، والحال ينطبق حين يستولون على الحكم إنابة عن ثوار أو حتى نظام عسكري قبلي جهوي، فبكل الحالات لن يكون السيد وجماعته إلا فئة مارقة خارجة ناشزة عن سياقها الفكري والجغرافي والوطني والتاريخي والمجتمعي والإقليمي.
محمد علي محسن
مأساتنا والسيد عبد الملك!! 1427