في هذا الوطن الموصوف بالسعيد والإيمان والحكمة خذلوه في المرحلة الراهنة نشط فيه صُنَّاع المصائب جعلوا حياتنا كلها مصائب وكأننا خلقنا وخلقت معنا مصائبنا، جعلوها ملازمة لنا وكأنها عنصر هام من عناصر والوجود وكأنها خاضعة لقانون النُّشوء والارتقاء في فكرنا وثقافتنا, تبدأ بسيطة ساذجة ثم تعظم وتُهوَّل. وتقرأ التاريخ فتراه سلسلة مصائب وسلسلة حروب نصرتها مصائب وهزيمتها مصائب تجارب مرت في حياتنا وعِبر لكننا لم نعتبر ولم نستوعب أن الحروب هي أكبر المصائب التي تصيب الأمة والوطن ومن ينتصر ينتصر لذاته ونصره لن يدوم طويلاً, ينكشف الغطاء فيشعر قبل ضحاياه أنه كان مهزوما أخلاقياً وسياسياً واجتماعياً, فالنصر على الشركاء هزيمة النفس التي لا تقبل الآخر النفس التي ترفض التعايش والتي فشلت في الاندماج وخرجت عن نطاق القضايا الجمعية والإجماع.
اليوم تمادينا بالإرهاب نخافه ونخيف الآخرين به يهدر دماءنا ونحن نستفيد منه بل نستخدمه في مماحكتنا نرمي به الآخر تُهَماً نبرِّر به عنفنا لبعض, نتحدث عن الإرهاب ونحن نُرهب بعضنا بعضاً, نشتكي من سفك الدماء ونحن نسفك دماء الأبرياء, اجتياح المدن بالسلاح دون دولة هو الإرهاب ذاته وحتى وإن كنت تبحث عن إرهابي فهو خصمك في صراع الإرهاب أو العنف والعنف المضاد .
مصائب بعضنا عند بعضنا فوائد وهذه أكبر مصيبة نواجهها, الفشل يحسبه الآخر لنفسه نجاحاً وكلٌ يتمنى الفشل لغيره والنجاح له وحده والكل يعلم أن النجاح لا يتحقق بغير شراكة وتوافق وتعاظم وتآزر؛ لكننا نعيق بعض فنعيق أنفسنا ومادمنا كذلك فالنجاح بعيدٌ عنا؛ لأننا بعيدون عن بعض, خصومٌ لبعض؛ فتحولنا إلى خصوم لوطنٍ يجمعنا.
كلٌ يرى نفسه ثورياً تحررياً والآخر مارق, متمرد ,إرهابي, فاسد , ليس بالضرورة برهنة ذلك لأنه اعتبر ذاته الشعب ومفوضاً باسم الشعب وغيره ليس شعباً, إن قاوموه نعتهم بصفات إرهابيين, دواعش أو روافض أو تكفيريين أو انفصاليين أو ...
هل توجد مصيبة أكبر من مصيبتنا, وفينا داء رمى أخطاءنا على الآخرين بكل سهولة ما دام هناك إعلام يستخدم لتأجيج المشكلات وصناعة المصائب وقذف وشتم الآخر دون مراعاة لهموم وطن ومواطن ومستقبل أمة وطموح شعب.
تلك الآهات والأنَّات التي تنفثها أروح الجماهير المجروحة والمقهورة ولكنها طموحة التي ترى صراعكم يدمِّر وطنها يرون بأم أعينهم ثورتهم المباركة تُجهَض وربيعهم يتحوَّل إلى خريف يشاهدون أوراق ناضجة خضراء تتساقط من أغصانها ودماء تروي أرضهم الطيبة فتدنِّسَها , إنها مصاب الزعامات والحقد الدفين وآثار الماضي اللعين ومن يتشبثون به من لا يريدون تجاوز ماضيهم العفن, الخائفون والمرعوبون من المستقبل الطاهر, من العدل والحرية والمساواة والحق إنها زعامات خذلتنا وأفشلتنا ونهبتنا وسلبتنا كل شيء في الجنوب والشمال, في كل اليمن وماذا تريد أكثر من ذلك؟ لماذا لا تتوارى لتترك فرصةً لشعبٍ يريد أن يستعيد كرامته وعزَّته وشرفه؟ يريد أن يعيد وطنه لمجده ويرفع راياته خفاقةً في فضاء عصر التطور والنهوض وإنها لثورة حتى النصر بإذن الله.
أحمد ناصر حميدان
صُنَّاع المصائب.. 1537