دأب الحوثيون منذ أن أسقطوا صنعاء في أيديهم، وقبل ذلك على التدخل في إدارة شؤون الدولة، وكان هذا دأبهم أيام الحروب الست التي بدأت عام 2004، وانتهت العام 2010.
وتذكر وثيقة إنهاء الحرب العاشرة من ضمن شروطها أن على الحوثيين الكف عن التدخل في السلطات المحلية في محافظة صعدة، الأمر الذي يعكس محاولاتهم المستمرة منذ سنوات بعيدة في التدخل في إدارة شؤون الدولة، على الرغم من أنهم لم يشكلوا حتى الآن حزباً سياسياً.
كانوا يهيئون أنفسهم منذ فترة ليست بالقريبة لوضع كهذا الذي وصلوا إليه بعد اقتحام مسلحيهم صنعاء يوم 21 أيلول/سبتمبر الماضي.
اليافطة الجديدة التي يرفعها الحوثيون اليوم هي «مكافحة الفساد» بعد عدد كبير من اليافطات والشعارات التي كسبوا بها تعاطفاً شعبياً بدءاً بالشعار الذي أخذوه عن الثورة الإيرانية «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل»، ومروراً بشعارات ما يطلقون عليه «ثورة 21 سبتمبر»: وهي إسقاط الجرعة، وإسقاط الحكومة، وتطبيق مخرجات الحوار الوطني، إلى أن انتهينا إلى اليافطة الجديدة التي بها دخلوا مؤسسات الدولة، وتتبعوا خصومهم الإيديولوجيين من جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم.
ففي يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أقال الحوثيون محافظ عمران الذي عين بقرار جمهوري صادر في حزيران/يونيو الماضي بدلا عن محمد حسن دماج، الذي أقيل بناء على طلب الحوثيين أنفسهم، تلافياً لدخولهم عمران التي دخلوها رغم تلبية شرطهم بإقالة المحافظ. وقد عين الحوثيون بدون أي موافقة رسمية فيصل جمعان المقرب منهم. وقبل ذلك عين الحوثيون تاجر السلاح المعروف فارس مناع محافظاً لصعدة بعد أن أقالوا محافظها السابق طه هاجر إبان اندلاع أحداث انتفاضة شباط/فبراير 2011.
وبعد ذلك، وقبل أيام أقال الحوثيون محافظ الحديدة صخر الوجيه، وعينوا مكانه القيادي في المؤتمر الشعبي العام حسن أحمد الهيج، في إشارة إلى عمق التعاون بين الحوثيين والتيار الحوثي داخل المؤتمر الشعبي العام.
وأقال الحوثيون أواسط الأسبوع الماضي رئيس تحرير صحيفة «الثورة» الرسمية فيصل مكرم، وعينوا آخر بديلاً عنه من الموالين للجماعة، والطريف في الأمر أن الحوثيين أصدروا الأربعاء «عدداً حوثياً» من الصحيفة التي تعد ناطقة باسم الحكومة، مما أضطر وزيرة الإعلام أن تعلن أن عدد يوم الأربعاء الصادر من صحيفة «الثورة» لا يمثل الحكومة لأنه صدر بإملاءات جماعة مسلحة، وليس حسب سياسة الحكومة اليمنية.
وخلال الأسبوع الماضي كذلك، تدخل الحوثيون في عمل وزارة الدفاع ومنعوا رئيس الأركان المعين بقرار جمهوري من مزاولة عمله، وهو الأمر الذي اضطر وزير الدفاع إلى التدخل، وإدخال رئيس الأركان إلى مكتبه في الوزارة، الأمر الذي أثار الحوثيين، فحاصروا الوزارة، ومن ثم تحركت بعض وحدات الحماية الرئاسية لحمايتها، وهو ما أثار توتراً أمنياً شديداً خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين في صنعاء.
ولم يكتف الحوثيون بذلك، بل احتلوا مبنى شركة النفط اليمنية، وإدارة ميناء الحديدة واحتلوا مطار صنعاء الدولي، وغير ذلك من المرافق الحكومية التي دخلوها تحت ذريعة مكافحة الفساد.
وإذا كان هذا حظ المرافق العامة والمؤسسات الحكومية، فإن القطاع الخاص لم يسلم كذلك من ملاحقاتهم، حيث صادروا العديد من الممتلكات للقائد العسكري السابق علي محسن الأحمر، والتاجر المعروف حميد الأحمر، وعددا من الممتلكات الخاصة بأسرة الشيخ الأحمر، تحت المسمى نفسه، وبالذريعة ذاتها، دون ان يعلنوا للناس حجم هذه الأموال والأصول التي صادروها، وما هو مصيرها.
وفي حادثة طريفة، أعلن الحوثيون انهم وجدوا كميات كبيرة من سبائك الذهب في منازل خاصة للواء علي محسن الأحمر مستشار رئيس الجمهورية العسكري والأمني. وتداول ناشطون حوثيون صوراً لهذه السبائك المزعومة، الأمر الذي حدا بناشطين آخرين إلى المطالبة بتوريد هذه السبائك إلى خزينة الدولة، بما أنها من منهوبات الفاسدين، ومن حق الشعب اليمني.
ونظراً لزيادة حجم التدخل الحوثي في إدارة شؤون الدولة، وحضور مسلحي الجماعة القوي في مؤسساتها المختلفة دون أية صبغة قانونية، هدد رئيس الوزراء اليمني المعين حديثاً خالد بحاح، باستقالة حكومته التي نالت الثقة الخميس الماضي، مؤكداً أن الحكومة ستنسحب لإتاحة الفرصة للحوثيين لإدارة شؤون الدولة ما لم يتوقفوا عن تدخلاتهم في الشأن الحكومي.
وخرج الدكتور عبدالكريم الإرياني، المستشار السياسي للرئيس اليمني، قبل أسبوع، ليقول ما بات معروفاً داخل اليمن وخارجه، من أن الحوثيين أصبحوا هم السلطة الفعلية المسيطرة في اليمن.
وقال الإرياني، الذي يعد أبرز مستشاري هادي منصور، في حوار مع صحيفة «26 سبتمبر» الناطقة باسم وزارة الدفاع إن «الدولة بهياكلها ووزاراتها ومؤسّسـاتها لا تحـــكم البلاد وأن جماعة أنصار الله كفئة سياسية جديدة على المسرح اليمني هي التي تتحكم».
وقد شنت وسائل إعلام الحوثيين حملة شرسة على الإرياني بسبب تصريحاته تلك واتهمه مهدي المشاط مدير مكتب عبدالملك الحوثي بخيانة الوطن.
وقال المشاط إن الإرياني خان الوطن بحديثه الأخير، متسائلاً عن دوره في مراحل سابقة كان اليمن يعاني خلالها من مشاكل كثيرة.
ووصف وطنية الإرياني بـ»الزائفة» وقال إن هناك الكثير من القضايا كانت كفيلة بأن «تثير روح الوطنية فيك لو كنت كذلك وآخرها عمليات المارينز في شبوة».
وفي منشور على صفحته الرسمية بـ»الفيسبوك» عنونه بـ»الإرياني.. سكت دهراً ونطق شراً» اعتبر المشاط تصريحات الإرياني الأخيرة بأنها خارجة عن إرادته وإنه مدفوعٌ من قبل من سماهم بـ»أسياده».
ويرى مراقبون للوضع اليمني أن استمرار حالة تراجع دور الدولة لصالح الجماعة، من شأنه أن يقوض أسس العملية السياسية في البلاد، الأمر الذي يوسع من مدى الاحتمالات المستقبلية.
القدس العربي
د.محمد جميح
الحوثيون والتدخل في شؤون الدولة في اليمن 1771