يخطئ البعض في توصيف سلوكه حين يعتدي بالسب أو الطعن والتجريح في معتقدٍ ما أو فكرة جلية أنه ينتقد وله حق الرأي والتعبير.. فيُفرط في ادِّعاء المظلومية وأن الطرف الآخر لا يسمح له بالتعبير لما يحمله من صدق..!وهذا خطأ ناجم عن الخلط بين النقد والتجريح..
فالنقد يعني بياناً موضوعياً لحقائق المعتقدات في ذاتها، لو كنت معارضاً لفكرة عذاب القبر - مثلاً- فلي الحق في نقدها لبيان أوجه القصور فيها، وأنت لك الحق في الرد على هذا البيان.. ولنضع القارئ والسامع في النهاية لأن يختار حسب ما يظهر له, أما التجريح فهذا شيء آخر.
التجريح يعني في المقام الأول مشاعر المعتقدين بالإيذاء، ولا علاقة له بالحُجَج العقلية إنما هو يمس المشاعر في المقام الأول، وما من مجتمع يعاني من الفتن إلا وكان التجريح هو سلوك أعضائه.
القرآن نفسه حذَّر من التجريح
قال تعالى.." ولا تسبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم".. [الأنعام : 108]
فالعقائد هي أغلى ما عند البشر، والتجريح يعني سرقة هذا الكنز لديهم فينتج عنه ردود أفعال عنيفة، هو يدافع عن نفسه عندما يتعرض للتجريح، لأن المعتقَد لديه مكنون نفسي عميق وعقلي مترابط، ولا يمكن هزُّ العميق ولا المترابط بمجرد تجريح، فهو في النهاية لن يقنع المُجرَّح وسيظهر لديه إنسانٌ سفيه بلا قيمة.
يستوي في ذلك الجميع.. مسلمين ومسيحيين ويهودا وملاحدة وسنةً وشيعةً وسلفيةً و"إخوان" وأي دين وأي اتجاه.. جميعهم لديهم معتقدات مترابطة في أذهانهم مفصّلة بشكل دقيق وإلا ما قبلها عقله وارتاحت لها بواطنه، الجميع ينسجم مع ما يعتقد ويطمئن لما ذهب.
قديماً قيل إن.. "من قَصُر عقله طالَ لسانه"..
الأولى حين التعرُّض للمعتقدات هو النقد، يعني مناقشة المعتقد لذاته وليس لمن يحمله، وأؤمن أنه كلما شاع الجهل خفت النقد وأصوله، فالنقد يستلزم بناءً عقلياً سليماً وهذا عزيز، سيكون التجريح هو البديل كون القائم عليه فاقداً للمنطق.
سامح عسكر
ما بين النقد والتجريح 1156