كنت من أوائل من انضموا للثورة الشبابية السلمية في فبراير ٢٠١١م قبل جمعة الكرامة بأسابيع، لقناعة تامة بهذه الثورة وان الحال في البلد أصبح لا يطاق؛ سيطر على مقدراته نفر قليل يعبثون بثرواته ومقدراته ولهم كل الحقوق والامتيازات وغالبية أبناء الوطن بمختلف مناطقهم مغيبون ومصادرة حقوقهم وينتظر أبناؤهم مستقبلاً مجهولاً، حتى المحافظات منحت لشخص أو أشخاص معدودين كقائمين مقام، ولم يستمع لأنّات المظلومين ولا لصوت العقلاء الناصحين، بالإضافة للمبررات الكثيرة التي كانت تستوجب التغيير العاجل والثورة على الواقع المر.
ورغم ما اعترى الثورة من انحراف بأهدافها وتطفل المتطفلون عليها ونصب الوصاية على الثوار من أطراف وخذلان الشهداء والجرحى، إلا اني لا زلت معتزاً بموقفي ومقتنعاً به حتى هذه اللحظة، لأني لم أخرج نكاية بحزب أو فرد أو جماعة وإنما كان موقفي من اجل الوطن ، وما وصلنا إليه اليوم من سوء وأحوال متردية لا يعني أن القيام بالثورة ورفض الظلم آنذاك كان خاطئاً، أبداً لا يمكن أن يقول ذلك عاقل منصف، ولكنا وصلنا إلى ما وصلنا اليه لأسباب عدة استهدفت الثورة الطاهرة خوفاً من نجاحها, بالإضافة إلى ضعف القيادات التي خرجت بالتوافق ومثلت الثورة من الأحزاب التي شاركت في حكومة الوفاق ولم يكن لهم مشروع وطني جامع ، فكان تحالفاً هشاً لم يقدر الموقف حق قدره وغلبت عليه إلى حدٍ كبير المشاريع الضيقة لهذه الأحزاب، بالإضافة لبقاء معظم مفاصل الدولة بيد النظام الذي ثرنا عليه، ومن العوامل التي أوصلتنا إلى هذه المأساة التي يعيشها الشعب اليمني العامل الخارجي الذي حوّل الثورة إلى أزمة وعمل على إفشالها، بالمبادرة الخليجية، ثم بآلاتها التنفيذية ورعاية الدول العشر وتكليف بن عمر كمندوب للأمين العام للأمم المتحدة للإشراف على تنفيذ هذا الاتفاق برعاية أممية، واصبح هذا المندوب وسفراء الدول العشر هم الفاعلين بالمشهد اليمني، وأثبتت الوقائع والأحداث أنهم لم يكونوا جادين مع الشعب اليمني لإخراجه مخرجاً حسناً لبناء الدولة اليمنية الحديثة القائمة على العدل والمواطنة المتساوية، وإنما كانوا يعملون بأجندة غامضة لا تخدم اليمن بقدر ما تعمل على تمزيق نسيجه الاجتماعي وإضعاف قدرات الدولة وتغذية الخلافات بين كل الأطراف.
وللأسف ارتهنت الأطراف المتصارعة لهذه الدول بزعامة أمريكا ، وكل طرف حاول أن يكسب رضاهم فأمعنوا في المراهنة على الخارج كل بطريقته رغم إنكارهم لذلك وادعائهم الاستقلالية، واهمل الجميع بما فيهم مؤسسة الرئاسة الرهان على الشعب اليمني، وغيبوه عن المشهد السياسي حتى أوصلوه إلى حالة خطيرة من الإحباط وعدم الثقة بأيٍ من هذه الأطراف المتصارعة ، ولم يوجد قيادة أخرى رشيدة ينحاز إليها ويسير خلفها، فوجد فراغ كبير في ربوع الساحة اليمنية؛ اصبح المواطن فيها حيراناً ويشعر بالتوهان ، والوطن ينحدر إلى الهاوية بخطوات متسارعة والجيش والأمن يمزق ويستهدف في كل مكان والقائمون عليه أصبحت أصابع الاتهام توجه نحوهم لما يحل به، والدول العشر وسفراؤها ومندوبيها يشاهدون هذا المسرح التراجيدي بكل هدوء أعصاب واستمتاع، مما آثار ويثير مئات علامات الاستفهام حول أدوارهم وما يريدوه لليمن.
ولا يستطيع عاقل تبرأتهم من مشاركتهم بما حل ويحل بهذا الشعب، ولو كانوا يريدون الخير بمصداقية ويريدون تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لكانوا قادرين على ذلك بسهولة ويسر، وباستطاعتهم إيقاف أي متجاوز أو مخترق لذلك، فأصبح الشعب كله ضحيتهم وضحية نزوات القادة اليمنيين الذين غلبت عليهم أهواءهم ولم يجدوا من يوقفهم عند أخطائهم بل ربما شجعوا عليها.
كل هذه المقدمة الطويلة أردت من خلالها القول: إن هذه الدول ومن خلال تجربتنا المريرة معها لا تريد لليمن خيراً ولا يرتجى منها أن تعمل الخير مهما أعلنت عن وقوفها مع اليمن ، فسلوكها العملي يكذب أقوالها، وأي موقف تعمله ينقلب كارثة على شعبنا، وما أثير من أن السفير الأمريكي أبلغ الرئيس السابق علي عبدالله صالح مغادرة الوطن يوم ٧ نوفمبر ٢٠١٤م كآخر فرصة، أرجو ألاّ يتحمس له اليمنيون مهما كان خلافنا مع الرئيس السابق ، ومهما كانت مواقفه بدعوى عرقلته للعملية السياسية. أقول لمن يتحمس لهذا الإنذار إنْ كان فعلاً صادراً عن السفير الأمريكي فهو إهانة للشعب اليمني وعمل خارج عن أعراف الدبلوماسية واستهداف كرامة اليمنيين ممثلة بمواطن يمني وإذا تم لهم ذلك فسيكون منهجاً وسلوكاً عاماً يمارسوه ضد أبناء هذا الشعب وسيلحقه آخرون من أبناء اليمن، وسيصبح السفير الأمريكي عبارة عن مدير قسم شرطة ونحن أبناء اليمن جميعاً كسكان حارة يلقي القبض على أي شخص منّا بأي ذريعة يختلقها. أقول ذلك ليس تبرأة للرئيس السابق ولا لأي طرف ولكني لا أقبل هذا الأسلوب المهين لنا جميعاً ، ولو كانت أمريكا وهذه الدول جادة لكانوا استطاعوا إيقاف أي معرقل بالأمس قبل اليوم، وبطُرق قانونية وبالشرّعية الدولية التي منحت لهم كضامنين لتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ولكنهم عبر السنوات الماضية وهم يرون الوطن يتصدع وفق سيناريو نجهله نحن ولكنهم لا يجهلونه وربما هم مطلعون على أدق تفاصيله إنْ لم يكن من صنعهم!.
إن هذا القرار لا اعتقد انه سيكون لصالح الوطن وإنما ليدخلونا به فصلا جديداً، ويبررون للرأي العام أنهم حاولوا عمل شيء من خلاله كذر للرماد على العيون.. لهذا فأنا و بقناعة تامة أقول: لا لهذا الإجراء السيء، ومرفوض مرفوض هذا الصلف، وأتحفظ وأقول إنْ كان فعلاً تمت هذه المكالمة من قبل هذا السفير الأمريكي بهذا الأسلوب الهمجي المقيت الذي يسئ لنا جميعاً، وموقفنا هذا لا يعفي الولايات المتحدة وأخواتها التسع من المسئولية الأخلاقية والتاريخية تجاه الشعب اليمني و استدراك الأمر بتكفير ما ارتكبوه ومساعدة اليمن بالخروج من محنته كونهم الضامنين لتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، بعد أن أوصلونا إلى حافة الهاوية بل إلى الهاوية نفسها؛ مالم يقوموا بذلك فإنهم سيغرسون في ذاكرة الشعب اليمني أنهم من أوصلونا لهذه الكوارث، وستلاحقهم لعنات هذا الشعب المظلوم.
محمد مقبل الحميري
لا للإمعان في إذلال الشعب اليمني 1293