كأن طاعة الله مقتصرة على خمس صلوات في اليوم، وصيام شهر في السنة، وحج البيت العتيق ولو لمرة واحدة في الحياة! أين ذهب الله في بقية أيام السنة؟ وأين ذهبنا نحن العباد وأين ذهب إيماننا في حياتنا ومعاملاتنا وسلوكنا؟.
فطاعة الله والامتثال لأوامره ونواهيه لا تكون فقط في أيام معلومات كالحج ورمضان وأيام عاشوراء والجمعة والاثنين وإنما وجوب طاعة الله وفي كل الأوقات والأزمان ما بقي إيماننا راسخا بان الله حي دائم موجود في صفر وشوال وذو القعدة وسواها من أيام وأشهر العام.
ففي كل الأحوال أن يكون شهر رمضان أفضل أشهر العام أو أن ليلة القدر بمثابة ألف شهر أو أن تكون الصلاة الواحدة في البيت الحرام تضاهي مئة الف صلاة أو أن صلاة في جماعة تساوي سبعة وعشرين صلاة دون الجماعة ودون المسجد ؛ فذاك تفاضل معنوي غايته تحفيز الإنسان على وجوب السعي والبذل في سبيل بلوغ المنتهى الرفيع في الحياة الأخرى.
الابتسامة صدقة، وإصلاح ذات البين، وإشاعة السلام والمحبة والخير، وإغاثة المحتاج ونصرة المظلوم وبر الوالدين وصلة الأرحام والجار، والصدق والإخلاص والإتقان والعدل، والمعاملة الحسنة وحفظ النفس والدم والكرامة والنسل والمال وغيرها من الأشياء التي غفلناها جهالة وعنوة.
فما نفع الحج بدفع الرشوة لوكيل تفويج الحجيج الذي لا يجد غضاضة في دفع الرشوة كي يحصل على نسبة أكبر من الحُجَّاج؟ وما جدوى ألف صلاة لشيخ لا مندوحة لديه إذا ما أفتى بالقتل والذبح والانتحار أو انه لا يجد حرجا في وصف طاغية مستبد بالخليفة العادل؟.
كذلك هو الحال حين تدعي جماعة من الخلق بحقها الإلهي المطلق لإحلال الفضيلة والعدالة والدين، وإذا ما ذبحت وسفكت وعقرت هذه الفضيلة وهذه العدالة التي هي قيمة أصيلة وأساسية مقدمة على الصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد.
المؤمن قد يسرق وقد يزني؛ لكنه لا يكذب.. الواقع أننا أكثر شعوب المعمورة كذبا ورياء ونفاقا وانتهاكا للحياة الإنسانية ولشرائع السماء والأرض.. أننا أكثر شعوب الدنيا إساءة لدين الإسلام ولسماحته وعدالته، ومع أننا كذلك في واقع الممارسة العملية مازلنا نلقي باللائمة على الآخرين.
فتارة نحمل أمريكا والغرب الصليبي، وأخرى نضعها على كاهل إسرائيل واليهود، وثالثة نرميها على العلمانيين والشيوعيين والليبراليون والدستوريين والقائمة لا تنتهي من المسميات التي لا شغلة لديها غير التآمر على الإسلام والمسلمين.
في زحمة هكذا تهافت على الموت لا الحياة يبقى على الإنسان إغفال فكرة الحياة وإشاعة العدل والصدق والحق والمحبة والمساواة كقيمة وفعل سام وأصيل مقدم على الصلاة والصيام وحج البيت وغيرها من الأفعال المكلف بها الإنسان.
يحدثونك عن كسوة الكعبة بالذهب والحرير ويغفلون حقيقة أن الإنسان أهم من الحجر الأسود الذي يتدافق الجهلاء على تقبيله والتبرك به. مليارات الدولارات تذهب سنويا على كساء وزخرفة ونقوش ومظاهر بذخية ومنارات فيما ملايين المسلمين يزهقون يوميا جوعا وفقرا ومرضا وقتلا وقهرا.
ثقافتنا متشبعة بالموت والقتل والدم والنهب والسبي والظلم والعصبية والعنصرية، ومع كل ما نمارسه على بعضنا وعلى الآخرين مازلنا ندعي زورا وبهتانا أننا دعاة محبة وسلام وعدل وحق ونجاة وحياة.
الإنسان في أوطاننا بلا قيمة أو أهمية، الحياة لدينا مجرد عبث وخوف وإرهاب، ومجرد ضلالة وزيف وكذب وبغض وكراهية وسفك دم وذبح وترويع وسواها من الأشياء التي لصقت بالإسلام والمسلمين ظلما وبهتانا.
نغسل وجوهنا وأقدامنا مرات في اليوم ودونما محاولة منا لغسل قلوبنا ولتطهير نفوسنا من الغل والحسد والحقد والبغض الناجم عن قرون من التعبئة الخاطئة القائلة بأن الإسلام ليس إلا طقوسا وشعائر ومظاهر صوتية وسلوكية لا تستقيم مطلقا مع جوهر الأديان السمحة المنزلة لإرساء العدل وتنظيم الحياة الإنسانية.
نعم ما أحوجنا لإشاعة ثقافة التعايش والسلام والمحبة والإخاء، فلا شيء أهم وأقدس من حفظ النفس الآدمية التي اكرمها الله ومنحها أعظم منزلة ومكانة، فكثيرا ما استوقفتني الأفعال الهمجية الشنيعة المقترفة بحق هذه النفس البشرية.
تراثنا للأسف مثقل بثقافة القتل والذبح والموت وبترف عجيب لا يستقيم أبداً مع دين يدعو لإعمار الأرض وإعلاء الحياة وحفظها وضبط إيقاعها وصيانتها من العبث والجور والقتل والظلم والسلب والنهب والبغض والاضطهاد والخوف والتمييز وووالخ.
ختاما .. للمفكر مصطفى محمود قولة مفادها هو إن الإنسان لا يكون متدينا إلَّا بعلم فالله لا يُعبد بالجهل ، واقع الحال يؤكد حقيقة هذه الجهالة المشاهدة اليوم وفي أكثر من بلاد.
محمد علي محسن
عبادة الله بجهالة !! 1384