لا يمكن أن نجد إنساناً سوياً يبارك سفك الدماء وإزهاق الأرواح أو يبرر ما يحدث على أرض هذا الوطن الذي يمر في مخاض صعب هو بناء أسس الدولة المدنية الحلم الجماهير الذي يؤرق النافذين والفاسدين, هذا المخاض الذي يعاق اليوم ويصده البعض ممن يفقدون يوماً بعد يوم مصالحهم ويشعرون باقتراب النظام والقانون ليرسي العدل السيف الذي قد يطلهم بفتح ملفات الإجرام والفساد في الماضي و يا ويل لكل فاسد ومجرم أفسد وأجرم بحق هذا الشعب والوطن.. لاحظ أرعبهم في جلسات الحوار وكيف يتفقون لإعاقة بعض البنود القانونية لإرساء العدل والحق وكشف الحقائق؛ إنهم الفاسدون وأصحاب الكروش المثخنة بالفساد.
هذا المخاض يتطلب توحيد الجهود وتكاتف القوى لتصد بقوة تلك المعوقات لكن هناك من في قلبه أحقاد وضغائن تدفعه باتجاه تصفية حساباته الخاطئة في هذه المرحلة المفصلية الهامة وتوهم أن الضعف القائم لمؤسسات الدولة ومنها الأمنية وهي في مرحلة إعادة هيكلتها سيساعده على الانقضاض على الوطن وكسب مزيد من القوة والهيمنة لتمكنه من التفوق على خصمه على حساب الوطن ومرحلة البناء وهناك من سيطرت عليه الأحقاد والضغائن وجعلته لا يرى غير خصمه في الساحة ويمارس أعتى وسائل التدمير ليذله ويرضي أحقاده ونفسه المريضة, لا يرى وطناً يئن وطناً بحاجة لاستكمال بنائه وإنشاء أعمدته لتخليصه من براثن الفساد والإفساد وهناك من يعارض دون أن يساهم ويسهل ويصحح معاً عملية البناء والاستقرار دوره فقط للمعارضة حتى وان كان جزءاً من السلطة التنفيذية وتلك هي القوى المضادة للثورة.
مخطئ من يكابر ويقول إن الوطن نظيف من الأخطاء, الوطن لازال مليئاً بالأخطاء والخطائين وهو في مرحلة انتقالية فيها يتم تصحيح تلك الأخطاء ولأنها أخطاء عميقة ومتأصلة في المجتمع وصارت سلوكاً وثقافة من الصعب في مكان تصحيحها بقرار أو بالقوة المفرطة, فكان لابد أن تسير العملية ببطء وبتكاثف الجهود لاستئصال مسببات الأخطاء والخاطئين.
صار الوطن بفضل المبادرة الخليجية الكل شركاء في عملية البناء بما فيهم الفئة التي لا تريد أن تتغير وتعترف بالأخطاء لإصلاح مسار الوطن بل وهي الفئة المنتجة لأخطائنا في الماضي لازالت رابضة على حياتنا تتصيد أي شعاع يبزغ لينير طريقنا لتحقيق طموحات وأمال الجماهير لتقضي عليه أعاقت قانون العدالة الانتقالية لتحقيق العدالة الاجتماعية و أعاقت قانون استرداد الأموال لتحسين المستوى الاقتصادي وقبل ذلك أعاقت ثورة المؤسسات التي كادت أن تطهر الوطن من الفاسدين أفرغت ميزانية الدولة, وصلتنا لما وصلنا إليه وكان لابد من معالجة الانهيار في العملة والاقتصاد والكل يعلم أن إنتاج النفط هبط إلى أدنى مستواه والتخريب الممنهج الذي دون شك كانت وراءه نفس القوى لتبرهن أن ماضيها كان وردياً ما دام حاضرنا سواداً وظلمة.
هل نستوعب أن الوطن هو الحضن الدافئ للجميع و أن ساحة الحوار الوطني الذي جمعت كل الخصوم لتصفية الضغائن والأحقاد لنتوافق معا على أسس نعيش ونتعايش بها دون صراعات وحروب وبمجرد ما أن انتهت جلسات هذا الحوار وتم التوقيع على مخرجاته لنستعد لبرمجة تنفيذها للواقع هناك من يريد لها أن تكون مجرد حبر على ورق وباشر بفتح جبهات قتال وصراع هنا وهناك واقتص له أراضٍ من هذا الوطن لتكون تحت سلطته وخارج سلطة الدولة واشغل القائمين على البناء في حروبه وصراعاته. وفجأة صار يتباكى على هذه المخرجات وهموم الجماهير التي هي من أولويات مخرجات الحوار ولمجرد أن صار الجانب الاقتصادي يهدد البلد من التدهور نتيجة التخريب لأبراج الكهرباء وأنبوب النفط والغاز وحروب العبث التي يديرها الحوثيون وخصومهم من القبائل وبعض رجال الدين وأرادت أن تصلح أحوال البلد وحتى وان كان قرار رفع الدعم جائراً.
هناك وسائل وسبل أفضل للتعبير عن الرفض دون الحصار والخطاب المتشنج الموجه بعنف ضد الدولة ومؤسساتها عنف لفظي وعنف سلوكي وعنف مسلح؛ مبطن العنف واضح بالخطاب والتحركات والتحدي والتهديد والوعيد.
وفي المقابل كان القائد وسلطته يمتص الغضب ويتعامل مع الأمور بحكمة وجمع القوى السياسية ومستشاريه وقدم بالمبادرة التي كانت فرصة ثمينة لتجنب ما حدث وقد يحدث لكنهم توهموا ذلك ضعفاً وشددوا حصارهم وكثفوا مخيماتهم وتوسعت مطالبهم المعلنة والمبطنة وأردوا شل حركة البلد واقتحام المؤسسات, ولعلمكم تلك الأعداد من المتظاهرين لا تخضع لطرف بعينه, هناك أطراف لها أجنداتها الخاصة وانتقامها من الثورة الشبابية وهي قوى الثورة المضادة التي لا يستبعد أنها تدير العنف ليحدث الصدام, هي تريد توسيع الانتهاكات وتكثر من إزهاق الأرواح وسفك الدماء لتخلط الأوراق وما أشبه اليوم بالبارحة عندما قتلوا وسفكوا دماء الأبرياء وطلبوا الحصانة.
"لكل فعل ردة فعل موازٍ له"؛ العنف يقابله بالعنف للدفاع عن النفس والدولة والمتابع للاحتجاجات من قنواتهم وهي قنوات "المسيرة والساحات" واضح أن السلاح موجود ولا يخجلون في تصويره وهم يعلنون سلمية أي سلمية يحمل فيها المحتجون أسلحة والخطاب المتشنج المتحدث عن خيارات موجعة ومؤلمة وما حدث في حزيز ماذا يعني وهل العنف وسيلة اختاروها لتحقيق مطالبهم التي كل يوم تزداد وتتوسع؟ .
كنت أتمنى أن أرى المواطن عبد الملك الحوثي في اجتماع رسمي يضم كل القوى ليناقش المبادرة الوطنية ويطرح رؤاه ومقترحاته للعامة لنخرج الوطن من أزمته لا أن أشاهده زعيماً متشنجاً يخطب عبر الأثير ويهدد ويتوعد وهو يشعر بنشوة الزعامة الكاذبة التي ورثها عن أسرته معتقداً أن الله اصطفاه على عباده وهذا هو الأسلوب المرفوض في الدولة المدنية المنشودة.
كان الله بعون رئيسنا المشير عبد ربه منصور هادي في تعامله مع هذه العقول الخاوية التي لازالت تعيش صراعات مر عليها 1400 عام والأمم تتطور وتعمل معاً في خندق العمل والبناء والنهوض ونحن لازلنا نعيش في كهوف التخلف والجهل بالخطب الدينية المهددة للسلم الأهلي والدولي وتؤسس مليشيات الموت والدمار لتبني دولتها داخل الدولة وهناك من يساندها من مثقفينا ومفكرينا ونخبنا السياسية, وهنا أناشد الشباب الجديد في صعده وعمران والجوف وحجة وعلى كل الأرض اليمنية بأن يتحرروا من سلطة هؤلاء المتخلفين والرجعيين والجهلة لتبنوا دولتكم الجديدة.
إذاً الحل الناجع هو أيادي شباب المرحلة بكل أطيافهم وأفكارهم وتوجهاتهم؛ الشباب الذين لم يتلطخوا بصراعات الماضي عليهم أن يتحدوا ويتفقوا في حماية مستقبلهم والمرحلة مرحلتهم لمواكبة تطورات العصر وعلى القوى القديمة التي تنازع هؤلاء الشباب في مستقبلهم وتعيق انطلاقهم وتعيد إنتاج صراعاتها في حاضرهم أن تترك المجال للقوى الجديدة الناعمة- الغير ملطخة بدماء الأبرياء وصراعات الموت ونهب الثروة - يعيشون ليبنوا وطناً سليماً معافىً, وعلينا بثورة تعليمية وثقافية وفنية ترسي ثقافة الحب والسلام والوئام والعمل ثم العمل لبناء الوطن ونرفض معاً ثقافة الكراهية والحروب وحمل السلاح والصراعات والموت, لنحيا حياة كلها سعادة ونمو وتطور وازدهار كسائر الأمم الأخرى..
أحمد ناصر حميدان
العنف لا يبني الأوطان 1758