ربما تابع الكثير فيلم سيد الخواتم (The Lord of the Rings) بأجزائه الثلاثة التي أخرجها بيتر جاكسون، بناءً على رواية البريطاني ج. ر. ر. تولكين، وبدأت كتتمة لكتابه السابق "الهوبيت"، ثم تطورت إلى قصة أكبر بكثير، كُتِبت على مراحل بين 1937 و1949، وكثير منها كُتب خلال الحرب العالمية الثانية. ونُشرت في الأساس في ثلاثة مجلدات في العامين 1954 و1955، وأعيد طبعها منذ ذلك الحين مرات كثيرة، كما تُرجمت إلى العديد من لغات العالم ومنها العربية، لتصبح واحدة من أكثر الأعمال الأدبية انتشاراً في القرن العشرين.
تم تصوير الأفلام الثلاثة في نيوزيلندا في فترة تقارب الـ18 شهراً متواصلة، و تعرِّفه ويكيبيديا بأنه: "فيلم جديد، ولكنه أسطورة قديمة تُكلمنا عن الزمن الجميل والخير الموجود وإمكانية الانتصار على الشر، وبالرغم من عدم انضباطه السياسي أو ربما لعدم انضباطه السياسي فإنه ينجح؛ لأننا نريد أن نحلم ونتنفس، وقليل من عدم الانضباط لا يضر بل يعيدنا لطفولتنا".
تقع أحداث سيد الخواتم في أرض تُدعى الأرض الوسطى، و تحكي القصة عن شعوب مثل الهوبيت، البشر والأقزام والسحرة والأورك والآلف وغيرها، وتتمحور حول خاتم السلطة الذي صنعه سيد الظلام "سورون" ، وجميعها تُجسِّد حالة الطغيان المتعجرف الذي يسعى لتدمير الأرض مستخدماً وسائل القوة لدحر وسحق كل من يقف في طريقه من جميع الأجناس، معتبراً نفسه هو القوة العظمى التي لا تُقهر، وتعامل مع من يقف في طريقه بفتكٍ بالغٍ وغرور طاغٍ، في سبيل السلطة والحكم.
لكن إيمان مجموعة من المقاومين وعزمهم على مواجهة تلك المظاهر الهائلة من الدمار كان كافياً لإيقاف ذلك المتعجرف المغرور بوهم القوة والسلطة، ومع تظافر جهودهم وصمود صفوفهم، وتحمُّلهم كل الصعاب والعقوبات واقتناعهم بصحة مبادئهم ووهمية القوة الزائفة لسورون ، استطاعوا في النهاية الانتصار لأهدافهم الثورية وتحقيق الحب والسلام والعدالة، والقضاء على زعيم الشر ورأس الفساد والطغيان والاستبداد.
الأجزاء الثلاثة من الفيلم مدتها 680 دقيقة، أي 11 ساعة و 20 دقيقة، وهي أسطورة روائية خيالية و ملحمة خارقة، لكنها تجسيد مثالي لصراع الظلم والعدالة والاستبداد والحرية، كحالات سلوكية في المجتمع الإنساني، حيث يطغى الشر ويستشري حتى يبدو كقوة صائبة، لكنه ينهزم في نهاية المطاف وينهار أمام قِيَم الكرامة، ويتحطم على صخور الوعي المجتمعي للشعوب التي لا يستطيع أي مستبد مهما كانت درجته دفن أحلامها وقتل إرادتها.
"سورون" صعدة يسير على الطريق ذاتها التي سار عليها ذلك السورون الأسطوري الملقَّب بسيد الظلام وهو الكيان الروحي الشرير المتجسد الذي يملك قوى خارقة للطبيعة، والذي سيصبح لاحقاً حاكم عالم "موردور" الباعث على الرهبة.
"سورون" صعدة أصبح الآن أكثر إثارةً للرعب، ويندفع بحماقة نحو العنف، وكأنه مصاب بالسادية، فيرمي بنفسه في سبيل إشباع "ساديته" نحو المجهول، متلذذاً بالتهديدات والعنف، شغوفاً بالقتل والتدمير والخراب، الذي تربَّى عليه، ورضع ثقافته منذ نعومة أظفاره.
"سورون" صعدة يتوهم ان اليمن موردور جديدة سيحكمها، وسيحكم قبضته عليها، وإخضاعها لنفوذه ومملكته، لكنه لا يعلم ان اليمنيين باتوا يدركون جيدا حقيقته، ولديهم من الإيمان الكافي للحفاظ على بلدهم، أضعاف تلك العزيمة التي اتصف بها الهوبيت الشاب "فرودو باغينز" وهو يتصدى لـ "سورون" وينتصر للكرامة امام تلك الهالة من النار التي تلتهم كل شيئ، ولن يسمحوا لأحد أن يقودهم نحو جبل الهلاك وأخدود النار مرة أخرى.
"سورون" صعدة يحشد طاقاته، ويفجِّر أحقاده المدفونة في أغوار صدره منذ عقود في وجه الحياة، ولا يضع حساباً للبشر والحب والسلام.
كيف له أن يضع حساباً لكل هؤلاء وهو الذي وجد نفسه معزولاً في الكهوف ومطارَداً من العدالة، نائماً بالجحور ومتوسداً الصخر وملتحفاً التراب؟! فمن أين ستجد الإنسانية والرحمة والتفاهم والإيمان بالآخر طريقها الى قلبه وحياته؟!
كيف سيكتسب معاني وقيم التسامح والتعايش وهو الذي لم يرَ في حياته أبداً بحراً تتراقص أمواجه وقت المغيب وتصافح شمس الغروب في مشهد يجلو النفس ويصقل صداها ويمنحها الحب والإيمان للكون والحياة؟!
كيف له أن يتصرف بعقل واتّزان بعيداً عن الجنون والطيش وهو الذي نشأ يلعب بالرصاص ويتنفس البارود ويداعب القنابل والسكاكين، ولم يقف لحظة أمام وردة جميلة، أو زهرة يانعة، تمده بنفس الأمان، وعبق الطمأنينة، والإحساس بالثقة؟!
كيف لمثله أن يرحم طفلاً أو عجوزا أو امرأة، وهو الذي تغذَّى على كراهية الآخر واعتباره شيطاناً رجيماً، ولم تُنصِت أذنه يوماً ما لصوت موسيقي يغني للحياة ويعزف للوجود ألحان الحب وأنغام الأمل والتفاؤل؟!!
"سورون" صعدة عندما خرج إلى الحياة بات ناقماً على كل شيء، ويرى هذا العالم المحيط به قائماً على خطأ، ولا بد من إعادة تشكيله وفقاً لتصوره، وبالطريقة التي يعتبرها هو صحيحة، ولا يضع حساباً لأي كائن آخر.
تباً لك "تولكين" أجهدت نفسك في تأليف رواية أسطورية خرافية في 18 شهراً عن الخير والشر، ولا تعلم أن لدينا هنا في اليمن ملحمة حقيقية للهوبيت والأقزام أشد فتكاً وضراوةً ممَّا تخيلت، وأن لدينا سيداً يمنياً بشرياً في صعدة كسيد الخواتم الذي اخترعته من خيالك، يفوق "سورون" الذي ابتكرته في الشر والمكر والقتل والإرهاب والدمار.
ولكن عزيزي "تولكين" أود أن أتقدم لك بالشكر والعرفان فقد رسمت نهاية سديدة لمثل أولئك السادة البُلَهاء، إنها النار الوحيدة القادرة على تطهير الأرض منهم و التهام تلك الشخصيات بكل عَفَنها ورِجسها وأفكارها.
عامر الدميني
سورون صعدة 1487