أثبتت الوقائع والأحداث أن معظم الشعوب العربية لا زالت دون مستوى الحدث، رغم صحوة البعض منها، فمن السهل جداً أن تخدع هذه الشعوب أو أن تنساق وراء مصالح تافهة أو سراب خادع، وتنقلب على المخلص مع الثعلب المكار، وتصفق للكاذب، وتسيء وتتهجم على الصادق، تسيء لنفسها أكثر مما يسيء لها الآخرون، تستسلم للمؤامرة وتبحث عنها, تسير في ركبها وإن كانت هذه المؤامرة وهماً تحولها إلى حقيقة، لا يهز مشاعرها المنكر وربما يعجب به البعض ويتفاعل معه نكاية بزيدٍ أو عمرٍو، المهرج في امتنا وطني بطل، والصادق المخلص عميل يجب إزالته والقضاء عليه..
مشكلتنا الأساسية ليست في التافهين، ولكن المشكلة الكبرى في السواد الأعظم من المصفقين للتافهين وهم حفاة عراة جياع بسبب ظلم هؤلاء الذين يقدسونهم، فهل هناك عمى أكبر من ذلك، وفي مثل هذه الحالة استشعر قول الحق سبحانه (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
حديثي هذا ليس موجهاً للمرتبطين بالخارج ممن باعوا ضمائرهم وأصبحوا أدوات ومعاول هدم لوطنهم يتسكعون أمام السفارات، ويتلقون الأوامر والتوجيهات من السفراء والبعثات الدبلوماسية، يمارسون العهر السياسي بوضح النهار وعلى قارعة الطريق دون حياء أو خجل، فهذه الأصناف قد باعت ضمائرها للشيطان، ولم يعد لديها ضمائر حية نخاطبها ولا وطنية نوقظها، ولكني استهدف بخطابي هذا أولئك البسطاء الذين سلبت حقوقهم ونهبت ثروات بلادهم وروعت أرواحهم وسفكت دماءهم وانتهكت آدميتهم من قبل هذه الأصناف الرخيصة وهم يسيرون خلفهم رغم الكوارث التي حولهم وكأنهم خٌلقوا من أجل هؤلاء الفاسدين المفسدين، يتلذذون بآلامهم ويستعذبون جراحاتهم، ويحبون خانقيهم، وكان الأولى بهم أن ينتعلون بهم بأقدامهم بدلا من وضعهم فوق رؤوسهم، فهل هناك هناك ظلال أكبر من هذا الظلال، وهل هناك ظلم أكبر من أن يظلم الإنسان نفسه ويهبها لجلاديه وظالميه بدون ثمن، وصدق الحق سبحانه القائل (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)..
يا قومنا إن الحالة المزرية التي نعيشها لا شك أننا جميعا مشاركون فيها بطريقة أو بأخرى، ولن نخرج منها إلا بصحوة صادقة، وإدراك ثاقب ويقين مطلق بحقنا بالعيش الكريم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد منا على الآخر إلا بما يقدمه لوطنه ومجتمعه، ولا تقديس لفرد أو حزب أو جماعة على من سواهم..
نجتمع جميعا على كلمة سواء، لا نعبد إلا الله ولا نتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، نثق بأنفسنا وبأن الله كرمنا فلنكرم أنفسنا، نقول كلمة الحق ولو كانت مٌرّةٌ، نتناصح ونشفق على بعضنا، نحرم الدماء بيننا ونرفق بأنفسنا، فإذا غيرنا ما بأنفسنا يقيناً سيتغير حالنا إلى الأحسن، وصدق الحق سبحانه القائل ( إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم) فلنعمل على إحداث هذا التغيير العميق في أغوار نفوسنا، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
محمد مقبل الحميري
شعوبنا العربية لا زالت دون مستوى الحدث 1366