تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة لهذا العام لأكثر من ست مواد، اعتقد أن الهدف من هذا الإجرام الذي تم ليس القصد منه الغش فقط وإنما الاستهداف بالدرجة الأولى العملية التربوية برمتها وإفشالها والقضاء عليها وفق منظومة تستهدف بنية الدولة في مختلف أركانها ، ولكن أنْ يصل الأمر إلى التربية والتعليم, فهذا أمر أكثر من خطير تتجاوز خطورته كل الصراعات التي تجري على الساحة كونه يستهدف حاضر الأمة ومستقبلها، وليس هناك جريمة أكبر منها إلا السكوت عنها، ولذلك نطالب قيادة الوزارة بسرعة كشف المجرمين والإعلان عنهم للرأي العام وتقديمهم لمحاكمة علنية وعاجلة كون جريمتهم خيانة عظمى بحق الوطن.
جمعتني عدة لقاءات بالدكتور عبد الرزاق الأشول ولكوني عضواً في لجنة التربية بمجلس النواب كان نقاشنا حول العملية التربوية والنهوض بها وان الحالة التعليمية في بلادنا اتسع فيها الخرق عن الرقع وان ما حل فيها من خراب جسيم لم يكن عفوياً ولكنه كان مخططاً وفق برنامج يقود المجتمع نحو التجهيل، ولا بد من تضافر كل الجهود لإنقاذ التعليم في بلادنا، وأول خطوة يجب اتخاذها قبل أي إجراء هو الاعتراف بحجم الكارثة التي وصل إليها التعليم، تليها إرادة صادقة من أعلى الهرم في الدولة مروراً بالأحزاب التي يجب أن ترفع أيديها عن التعليم وتجنبه أي صراع حزبي مروراً بأبسط مواطن وكل الجهات الأخرى وفي مقدمتها الإعلام الذي يجب أن يسير وفق هذا التوجه الوطني لإصلاح العملية التربوية من جذورها وليس ترقيعاً، وهذا الأمر يستوجب من الجميع إدراك خطورة الموقف وأننا اذا لم نستوعب ذلك فإن أجيالنا القادمة في خطر عظيم.
الحقيقة لمست من الأخ الوزير جديةً في الطرح واستشعاراً لحجم المسئولية الملقاة على عاتقه وتفاعلاً مع كل ما يطرح من اجل إنقاذ التعليم، وشرح لنا كثيراً من المعاناة والمصاعب التي تواجهها قيادة الوزارة، ومن ضمن ما قام به من اجل الحد من الغش الذي اصبح الأغلبية يمارسه كحق من حقوقه ولو أدى ذلك إلى الفوضى بل واستخدام السلاح في بعض المناطق، باعتبار أن من يقف ضد السماح بالغش بل وبدخول نماذج للإجابة جاهزة فإنه إنما يمنعه حقاً من حقوقه وفقاً للثقافة المنحرفة التي تم اكتسابها عبر سنوات استهداف التعليم والذي كان الهدف منه استهداف الأجيال القادمة ومسخها كي لا تكون مؤهلة لتحمل واجبها الوطني ويستمر العابثون بالوطن بعبثهم، كان من ضمن الخطوات التي اتخذها الوزير للحد من هذا العبث والإفساد إعداد نماذج متعددة للأسئلة للمادة الواحدة ليُصَعِّبْ من عملية الغش.
يا شرفاء الوطن: نناشد الجميع الوقوف صفاً واحداً من أجل إنقاذ الأجيال والنهض بمجتمعنا, فبدون العلم الصحيح والمنهجية السليمة لا يمكن لنا أن نغادر الحالة المتردية التي وصلنا إليها في كل مناحي الحياة، فبالعلم تنهض الأمم وبالجهل تنحدر وتنهار اقتصادياً وقيماً وأخلاقاً.. ولله در القائل:
بالعلم والمال يبني الناس مجدهم
لم ُيبن مجدٌ على جهل وإقلالِ.
نعود إلى موضوع تسريب أسئلة الامتحانات فأقول: إن هذه الجريمة المخططة لا تحسبوها شراً لكم، بل يجب إن نحولها إلى خير للمجتمع، وفق خطوات واضحة وإجراءات شفافة وقرارات صارمة وعلينا جميعاً الوقوف مع قيادة الوزرة ومساندتها مع التزامها بالشفافية والوضوح لكشف المجرمين الذين ارتكبوها وكل من يقف خلفهم واجتثاث عصابات الفساد والتخريب التي قادت هذه العملية الإجرامية التي تعد أخطر من جرائم ضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط بل وأخطر من جرائم القاعدة ومهاجمة المليشيات للمدن، لأنها تستهدف المجتمع كله بدون استثناء وتستهدف عقله الذي هو ثروته الحقيقية، وأؤكد أن التعليم بحاجة إلى إعادة نطر بوضعه المتردي منذ عشرات السنين، مع تقديرنا للجهود التي يبذلها الأخ الوزير والتي كان منها تعدد نماذج الأسئلة للمادة الواحدة للحد من عملية الغش التي ورثتها قيادة الوزارة كظاهرة أصبحت واقعاً تعامل معه السابقون بإقرار، واصبح تجاوزه ليس مسئولية قيادة الوزارة فحسب، وليس بمقدورها ذلك بمفردها، ولكنه مسئولية الدولة والسلطات المحلية، والمجتمع بأسره، وهذا يحتاج إلى دراسة عميقة للعملية التعليمية، وأكرر الطلب الذي ناديت به عبر قناة سهيل قبل انطلاق الثورة الشبابية الشعبية بعدة سنوات والتي قلت فيه: إننا ننحو نحو التجهيل وان الوضع الخطير الذي وصلنا إليه في التعليم يستوجب علينا عقد مؤتمر وطني للتعليم، يناقش قضية التعليم كاملة يعد له إعداداً علمياً دقيقاً وترصد له كل الإمكانات المطلوبة لضمان نجاحه مع الاستعانة بأعلى الخبرات الداخلية والخارجية، هذا اذا أردنا مغادرة الحالة المتردية التي أصيب بها الوطن في كل مناحيه، علاج كل ذلك التعليم السليم. والهلاك وضياع الوطن يكمن في فساد التعليم.
أما ما أُعلن عن تسرب أسئلة الامتحانات، فهذا يحسب للقائمين على التعليم وليس عليهم لأنهم لم يضعوا أنوفهم في الرمال ويغمضوا أبصارهم ليمضوا في الطريق الخاطئ ولكنها كانت شجاعة منهم الإعلان عن جريمة تسرب الامتحانات ودليل يقظة ضميرهم، على أن لا يكتفوا بذلك، بل ننتظر منهم مواقف أكثر شفافية وصدقاً وأمانة في كشف الفساد والفاسدين وتصحيح المسار.
فلنجعل من تسرب أسئلة الامتحانات الخطوة الأولى للبداية الجادة لإصلاح التعليم.
*عضو لجنة التربية والتعليم بمجلس النواب.
محمد مقبل الحميري
تسريب أسئلة الامتحانات..لا تَحسبوه شراً لكم!! 1436