إنما يجري في عدد من الدول العربية من مهازل انتخابية يبعث على السخرية والحزن على السواء وأنه ليؤلمني ويؤلم كل حر على أمتنا العربية والإسلامية والتي رضخت ردحاً من الزمن تحت سيطرة الاستعمار المباشر بالحديد والنار ولاقت شعوب الأمة الكثير من التشرد والظلم والقهر.

وها هي اليوم ولا زالت ترضخ تحت وطأة طغيان أنظمة الاستبداد وحكم جنرالات الجيوش وتظهر بالآفق بعد الربيع العربي تحالفات جديدة بين المشيخات والأسر الحاكمة المستبدة في عدد من الدول العربية وأنظمة الحكم العسكري في الدول العربية الأخرى بعد أن تخلي جنرالات الجيوش العربية عن مشاريع التحرر من الاستعمار وهمشت قضية العرب المركزية فلسطين حتى أنها لا تكاد تذكر.. وتحول قادة الجيوش إلى مجموعة من المستثمرين والتجار وحولوا تلك الجيوش إلى مجموعات من الحراس لممتلكاتهم وكراسيهم.

وإن هذا التحالف يسعى بكل جهد لوأد ثورات الربيع العربي وبالتالي القضاء على أمل الأمة في التحرر من الاستعباد والاستبداد والنهوض الحضاري على الأقل في الأمد المنضور وأنه إذا نجحت تلك التحالفات في وأد الربيع العربي وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء فإن مستقبل الأمة سيكون قائماً وستظهر على السطح كثير من التنظيمات المتطرفة التي تؤمن بالعنف منهجاً لها وستجند آلاف الشباب وذلك نتاجاً طبيعياً لكبح جماح رغبة الشباب في الانعتاق والتحرر والنهوض الحضاري كسائر شعوب الأرض.

ويلاحظ تزايد الهجمة الإعلامية الكبيرة والمستعرة بعد الربيع العربي في كثير من وسائل الإعلام المختلفة عربياً وعالمياً على حركة الاخوان المسلمين والتيار الإسلامي المستنير عموماً وكذلك التضييق الأمني والتصفية الجسدية كما حصل ويحصل في مصر وسوريا وبمباركة قوى الاستعمار ودعم وتمويل من تلك الأنظمة المهترئة والمستبدة.

وذلك لأن حركة الإخوان المسلمين هي الحركة السنية الأكبر والأكثر انتشاراً وشعبية وهي الحركة الوحيدة التي تملك مشروعاً حضارياً قادراً على النهوض بالأمة اقتصادياً وثقافياً وعلمياً واجتماعياً.

وهي الحركة التي حملت على عاتقها مسئولية رفع مستوى الوعي الحضاري في أوساط الأمة العربية والإسلامية والدفاع عن حقها في الحرية والتقدم والحياة الكريمة.

ولقد توالت الأحداث ففي الجزائر ـ وهي من البلدان العربية الكبيرة، من حيث المساحة والسكان وتمتلك ثروة نفطية هائلة ـ ولكنها ابتليت بسطوة جنرالات الجيش على حكم البلاد منذ الاستقلال حتى اللحظة وأخيراً اتحفنا قادة الجيش الجزائري بانتخابات رئاسية ومسرحية هزلية كانت محل تندر العالم بأسره وأتو برجل قعيد ومشلول الحركة بمشهد يندى له جبين الإنسانية وكانت محل سخرية العالم وكأن الجزائر لا رجال لها.

وفي جمهورية مصر العربية ـ أكبر البلدان العربية وأولها تحرراً وتقدماً ـ حولها قادة الجيش المصري إلى وركام وإلى سجن كبير سجنوا فيه شعباً بأكمله وخلقوا بيئة طاردة للعلماء والمفكرين والمبدعين وحولوا الشعب المصري إلى كوم من الفقراء والمعوزين.

وبعد ثورة 25يناير والتي فاجأ بها شباب مصر قادة الجيش المصري بالخروج إلى الميادين وأطاحوا بالكاهن الأعظم مبارك حتى أفقدهم توازنهم، وكان لحركة الإخوان النصيب الأوفر من قيادة الثورة والحفاظ على ديمومتها وقادوا انتخابات حرة ونزيهة شهد لها العالم أجمع لنزاهتها ولخمسة استحقاقات متتالية.

وكادت مصر أن تضع أقدامها على بداية مشروع حضاري ينتشلها من الفقر والعوز والمرض الأمر الذي أخاف دوائر الاستعمار والاستكبار وأرعب دولة إسرائيل فتحركت مشيخات وأسر الخبال العربي وضخت مليارات الدولارات لقادة الجيش المصري وقائد الانقلاب العسكري حتى أطاحوا بأول رئيس مدني منتخب منذ ثورة 1952م وأوصلوا قائد الانقلاب إلى حكم مصر بانتخابات هزيلة فارغة قاطعها أغلب الشعب المصري وباركتها أميركا وإسرائيل.

وما سوريا عنا ببعيد فاز بشار الأسد بأقل من النسب المعتادة عربياً قبل الربيع العربي لبث الرماد على العيون وبجمار طوارد، مثلة مثل السيسي لكي يضفوا على شرعيتهم صورياً ووصل بشار إلى مكانة كرئيس لبلد تحكمه أسرة منذ نصف قرن بالحديد والنار لا يستطيع فيه المواطن السوري أن يحرك شفتيه عما يجول بخاطره وقد ورث الأسد الابن شعب سوريا وأرضها من الأسد الأب كما تورث مزارع الدجاج والفواكة والعقارات وغيرها من الممتلكات الخاصة ونجح الأسد الابن في ظل شعب مشرد خارج وطنه بالملايين وسقط منه ما يقرب مليون قتيل وجريح وأكثر من نصف مساحة البلاد تحت سيطرة المعارضة المسلحة والنصف الآخر تدور المعارك في أرجائها حتى أن وسط العاصمة لم يسلم من القصف ومع كل هذا تجد هذه المهازل من يدعمها ويرحب بها وزد على أن سوريا دخل بها الصراع الطائفي أكثر من غيرها.

وما كان بالأمس محالاً أصبح اليوم واقعاً وما كان بالأمس يتم بالخفاء أصبح اليوم يتم علناً وفي وضح النهار، فلم يعد عيباً الارتباط بالخارج والارتهان لدوائر الاستعمار وأخذ الأموال وتدمير الأوطان، بل أصبح محل فخر يجاهر به أذيال المستعمر بدون الحد الأدنى من المبررات وذلك ما يحيكه البشر.

(والله غالب على أمره: ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. صدق الله العظيم.