قرارات أمس أسدلت الستار على التشاؤم الذي ساد الوسط السياسي والشعبي جراء قرارات تغيير المحافظين وما رافقها من تذمُّر.
وجاءت استجابةً لدعوات سابقة بضرورة تغيير بعض الوزراء في حكومة الوفاق، وقطعت الطريق أمام مخططات الفوضى وإشعال الحرائق التي كانت بعض الأطراف قد أجَّجت لهيبها مستغلةً حالة السخط الشعبي جراء تردي الخدمات كالنفط والكهرباء.
ما يلفت الانتباه في هذه القرارات أنها أعادت الاعتبار لأصحاب التخصص في تولي قيادة الوزارات بعيداً عن الاستعجال الذي حصل في تشكيل حكومة الوفاق الوطني كوزارة المالية والإعلام، فالمالية أُسندت إلى رجل من أبناء الوزارة وهو محمد زمام الذي كان رئيساً لمصلحة الجمارك وهو بالمناسبة أحد رجال قبيلة حاشد ومقرب من زعيم القبيلة الشيخ صادق الأحمر وسبق أن سرت أنباء عن تغييره خلال الفترة الماضية وتدخلت القبيلة عند الرئيس هادي وتم إيقاف قرار تغييره.
الوضع نفسه ينطبق على نصر طه مصطفى الذي تولى حقيبة وزارة الاعلام وهو منصب كان جديراً به منذ تشكيل حكومة الوفاق.
فنصر شخصية إعلامية وطنية ناجحة وطَموحة وتصنع تغييراً ونجاحاً في المكان الذي تمر منه, مثلما حدث في وكالة سبأ عندما تولاها في العام 2001م.
كما أنه أقدر على فهم احتياجات وتطلعات الوسط الصحفي بحكم ممارسته للمهنة من فترة طويلة وعمله كنقيب للصحافيين اليمنيين. وهذا سيمنحه القدرة على فهم واستيعاب الواقع الصحفي الذي يعاني من كثير من التحديات أهمها حساسية الفترة القادمة والتي ستكون التشريعات الصحفية أبرز الملفات المطروحة أمام الوزير وتحتاج إلى رجل متخصص من ناحية المهنة يستطيع وضع التشريعات المناسبة والضامنة لحرية الإعلام والتعبير وفقاً لتطلعات الأسرة الصحفية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
التعديل الوزاري يتميز بوجوه جديدة في التشكيلة الجديدة كوزير النفط ووزير الخارجية، والأول أطاحت به أزمة المشتقات النفطية رغم أنه لا يزال حديثا على المنصب، ويبدو أن هادي استفاد جيداً من التجارب حين بدأ يعمد إلى تغيير وجوه جديدة بدلاً من أسلوب سلفه الصالح المرتكز على عملية النقل والتبديل، كما أن التجربة الناجحة في حالة وزير الداخلية الترب كشخصية جديدة عززت هذه القناعة.
بدا واضحاً في القرارات الأهمية التي أولاها هادي وحكومة الوفاق للكهرباء كمشكلة عويصة ومزمنة حينما تم رفع درجة وزير الكهرباء الى منصب نائب وزير حتى يتمكن من التصدي لأعمال التخريب وتصبح الكهرباء وزارة سيادية تربط تحتها كثير من الوزارات.
صحيح أن المهندس الأكوع عمل سابقاً وزيراً للكهرباء أثناء التحالف بين الإصلاح والمؤتمر؛ لكن عودته الآن مع تعيينه نائباً لرئيس الوزراء سيعزز من قوته في الارتقاء بوضع الوزارة.
غير أن انتماءه للإصلاح إذا لم يستطع تقديم حلول عاجلة ومجدية لمشكلة الكهرباء فستتحول الوزارة الى عبء حقيقي للإصلاح وسيستغل إعلاميا وسياسياً للتأثير على الرأي العام وتشويه الإصلاح، خاصةً وأن الوزير السابق سميع كان يُتهم بالخضوع للإصلاح فما بالك بالأكوع الذي يُعد أحد رجال الإصلاح البارزين والمؤثرين.
أثبتت التعديلات أنها جاءت أيضاً في إطار المحاصصة الحزبية؛ فتم تعيين نائبين لرئيس الوزراء من المؤتمر والاصلاح وهو ما يعكس حجم هذين الحزبين، والأمر الآخر هو استحداث مناصب جديدة كنائب لوزير الاعلام وآخر لوزير المالية.
بالنسبة لنائب وزير الإعلام فيبدو أن الإصلاح فضَّل مكافأة عضوه فؤاد الحميري بمنحه هذا المنصب تقديراً لدوره في الثورة الشعبية وتكريماً له بعد الاستهدافات التي طالته, وآخرها منعه من دخول الأردن، ولم يُسند الإصلاح هذا الموقع لواحد من كوادره المتخصصة في مجال الإعلام والعاملة فيه، وهو قرار يخص الحزب، الذي دائماً ما يسند المواقع الاعلامية داخل أُطره التنظيمية أو في المناصب الرسمية الى شخصيات من خارج مهنة الاعلام وفي اعتقادي هذا الإجراء لا يخدم الإصلاح ولا يرتقي بمستوى فاعليته في مجال الاعلام.
بالنسبة لصخر الوجيه فسيعود الى العمل التنفيذي الميداني، وأمامه فرصة كبيرة لخدمة أبناء محافظته الذين عادةً ما يفخرون بصخر كنائب ثم كوزير، وعليه أن يستفيد من المناصب التي تولاها في خدمة محافظة الحديدة التي ارتفعت فيها حالة التذمر والاستياء الى درجة كبيرة في الآونة الاخيرة.
هذا الترميم في جسد حكومة الوفاق سيسهم في امتصاص حدة الغضب الشعبي من أداء الحكومة لفترة مؤقتة, إذا لم يتم اتخاذ إصلاحات عاجلة في تلك الوزارات من قبل الوزراء الجدد، فتغييرهم هو في الأساس تغيير فوقي، وعليهم أن يبدؤوا في التغيير الأفقي وإجراء إصلاحات شاملة داخل الوزارات بما يلبِّي تطلعات الشعب ويعالج كل الاختلالات الناجمة عن الفترة السابقة، ويفترض أن تكون الأخطاء السابقة للوزراء السابقين جدول عمل للوزراء الجدد ينطلقون من خلاله في مهامهم القادمة.
بقي أن نشير إلى أن القرارات أسهمت في حصار تيار صالح داخل المؤتمر وتضييق الخناق عليه، وهو ما بدأه هادي تدريجياً في مختلف القرارات التي يتخذها.
وإزاء هذا كله أتوقع ردود فعل غير عادية من قِبل صالح على المدى البعيد أو القريب, ما لم يبادر هادي إلى إرضائه بقرارات جديدة، خاصة, تزامن تلك القرارات مع إغلاق قناة وصحيفة اليمن اليوم التابعتين لأسرة الرئيس السابق صالح.
نتطلع في المرحلة القادمة مع هذا التغيير الى أداء إيجابي يتلافى ما يمكن تلافيه من الأخطاء والقصور وأن يستند الجميع الى الولاء الوطني، وأن يدرك هادي حجم التحديات التي تواجه البلاد, فيعمل بنفس مستوى تلك التحديات,إن لم يكن أعلى منها.
وهنا لابد أن نتوجه بكلمة شكر لكل الوزراء الذين خرجوا من مناصبهم تقديرا لما بذلوه من جهود خلال الفترة السابقة التي صادفت مرحلة صعبة في تأريخ اليمن استعصت على الجميع.
والوطن هو المنتصر بأبنائه في الأول والأخير بعيداً عن كل المعايير الحزبية والأهواء الشخصية.
عامر الدميني
عن ترميم حكومة الوفاق 1527